Sunday, February 27, 2011

أسماء الله الحسنى - الخبير

  الخبير
هو العليم ببواطن الأمور وخفياتها من الخبرة ، وهى العلم بالخفايا الباطنه والعلم بكل شئ في الارض وفي السماء الظاهرة والباطنة لكل شيء وهو خبير بذات الصدور وما تخفي الانفس 
قال الله تعالى
( والله خبير بما تعملون ) آل عمران 153
( انه بعباده خبير بصير ) الشورى 27
( ان ربهم بهم يومئذ لخبير ) العاديات 11
( وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا ) الاسراء 17



Saturday, February 26, 2011

إشارات قرآنية إلى علوم الأرض


يشير القرآن الكريم في عدد من آيـاتـه إلى الكـون وإلى الأرض ، التي جاء ذكرها في أربعمائة وإحدى وستين آية كريمة ، منها ما يشير إلى الأرض ككل ، ومنها ما يشير إلى سطحها الخارجي الذي نحيا عليه أي إلى غلافها الصخري ، وهذه الآيات التي تضم عددا من حقائق علوم الأرض يمكن تبويبها في المجموعات التالية: 

? آيات تأمر الإنسان بالسير في الأرض ، والنظر في كيفية بدء الخلق ، وهي أساس المنهجية العلمية في دراسة علوم الأرض 
? آيات عديدة تشير إلى شكل وحركات وأصل الأرض ، منها ما يصف كروية الأرض ، ومنها ما يشير إلى دورانها ،
ومنها ما يؤكد على عظم مواقع النجوم ، أو على حقيقة اتساع 

الكون ، أو على بدء الكون بجرم واحد( مرحلة الرتق) ، ثم انفجار ذلك الجرم الأولي (مرحلة الفتق) أو على بدء السماء في مراحل خلقها الأول بغلالة دخانية (مرحلة السديم) ، أو على انتشار المادة بين السماء والأرض (المادة بين النجوم) أو على تطابق كل السماوات والأرض (أي تطابق الكون)
? آية قرآنية واحدة تؤكد على أن كل الحديد في كوكب الأرض قد أنزل إليها من السماء. 

? آية قرآنية تؤكد على حقيقة أن الأرض ذات صدع ، وهي من الصفات الأساسية لكوكبنا .

? آيات قرآنية تتحدث عن عدد من الظواهر البحرية الهامة من مثل ظلمات البحار والمحيطات (ودور الأمواج الداخلية والخارجية في تكوينها) ، وتسجير بعض هذه القيعان بنيران حامية 

، وتمايز المياه فيها إلى كتل متجاورة لا تختلط اختلاطا كاملا ، نظرا لوجود حواجز غير مرئية تفصل بينها ، ويتأكد هذا الفصل بين الكتل المائية بصورة أوضح في حالة التقاء كل من المياه العذبة والمالحة عند مصاب الأنهار ، مع وجوده بين مياه البحر الواحد أو بين البحار المتصلة ببعضها البعض 
? آيات قرآنية تتحدث عن الجبال ، منها ما يصفها بأنها أوتاد ، وبذلك يصف كلا من الشكل الخارجي( الذي على ضخامته يمثل الجزء الأصغر من الجبل) والامتداد الداخلي (الذي يشكل غالبية 

جسم الجبل) ، كما يصف وظيفته الأساسية في تثبيت الغلاف الصخري للأرض ، وتتأكد هذه الوظيفة في اثنتين وعشرين آية أخرى ، أو دورها في شق الأودية والفجاج أو في سقوط الأمطار وجريان الأنهار والسيول ، أو تكوينها من صخور متباينة في الألوان والأشكال والهيئة
? آيات قرآنية تشير إلى نشأة كل من الغلافين المائي والهوائي للأرض ، وذلك بإخراج مكوناتها من باطن الأرض ، أو تصف الطبيعة الرجعية الوقائية لغلافها الغازي ، أو تؤكد على حقيقة ظلام الفضاء الكوني الخارجي ، أو على تناقص الضغط الجوي مع الارتفاع عن سطح الأرض ، أو على أن ليل الأرض كان في بدء خلقها مضاء كنهارها.
? آيات تشير إلى رقة الغلاف الصخري للأرض ، وإلى تسوية سطحه وتمهيده وشق الفجاج والسبل فيه ، وإلى تناقص الأرض من أطرافها .
? آيات تؤكد على إسكان ماء المطر في الأرض مما يشير إلى دورة المياه حول الأرض وفي داخل صخــورها ، أو تؤكد على عــلاقة الحياة بالماء ، أو تلمح إلى إمكــانية تصنيف الكائنات الحية 
? آيات تؤكد على أن عملية الخلق قد تمت على مراحل متعاقبة عبر فترات زمنية طويلة.
? آيات قرآنية تصف نهاية كل من الأرض والسماوات وما فيهما (أي الكـون كله) بعمليـة معاكسة لعملية الخلق الأول كما تصف إعادة خلقهما من جديد ، أرضا غير الأرض الحالية وسماوات غير السماوات القائمة 
هذه الحقائق العلمية لم تكن معروفة للإنسان قبل هذا القرن ، بل إن الكثير منها لم يتوصل الإنسان إليه إلا في العقود القليلة الماضية عبر جهود مضنية وتحليل دقيق لكم هائل من الملاحظات والتجارب العملية في مختلف جنبات الجزء المدرك من الكون ، وإن السبق القرآني في الإشارة إلى مثل هذه الحقائق بأسلوب يبلغ منتهى الدقة العلمية واللغوية في التعبير ، والإحاطة والشمول في الدلالة ليؤكد على جانب هام من جوانب الإعجاز في كتاب الله ، وهو جانب الإعجاز العلمي ، ومع تسليمنا بأن القرآن الكريم معجز في كل أمر من أموره، إلا أن الإعجاز العلمي يبقى من أنجع أساليب الدعوة إلى الله في عصر العلم ، ذلك العصر الذي لم يبق فيه من وحي السماء إلا القرآن الكريم ، بينما تعرضت كل الكتب السابقة على نزوله إما للضياع التام ؛ أو لضياع الأصول التي نقلت عنها إلى لغات غير تلك التي نزل الوحي السماوي بها ، فتعرضت لقدر هائل من التحريف الذي أخرجها عن إطارها الرباني على الرغم من إيماننـا بأصولها السماوية ، وتسليمنا بصدق تلك الأصول .ومن هنا تتضح أهمية القرآن الكريم في هداية البشرية في زمن هي أحوج ما تكون إلى الهداية الربانية كما تتضح أهمية دراسات الإعجاز العلمي في كتاب الله مهما تعددت تلك المجالات العلمية ، وذلك لأن إثبات صدق الإشارات القرآنية في القضايا الكونية مثل إشاراته إلى عدد من حقائق علوم الأرض ، وهي من الأمور المادية الملموسة التي يمكن للعلماء التجريبين إثباتها لأدعى إلى التسليم بحقائق القرآن الأخرى خاصة ما يرد منها في مجال القضايا الغيبية والسلوكية (من مثل قضايا العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات ) والتي لا سبيل للإنسان في الوصول إلى قواعد سليمة لها وإلى ضوابط صحيحة فيها إلا عن طريق بيـان ربـاني خالص لا يداخله أدنى قدر من التصور البشري.

الإشارات الكونية في القرآن الكريم


: بقلم  

 الدكتور زغلول النجار

 [[posterous-content:pid___0]]

   


يشير القران الكريم في عدد من آياته إلى الكون وإلى العديد من مكوناته (السماوات والأرض، وما بكل منهما من صور الأحياء والجمادات والظواهر الكونية المختلفة) وتأتى هذه الآيات في مقام الاستبدال علي طلاقة القدرة الإلهية التي أبدعت هذا الكون بجميع ما فيه ومن فيه وفي مقام الاستدلال كذلك علي أن الإله الخالق الذي أبدع هذا الكون قادر علي إفنائه، وقادر على إعادة خلقه من جديد، وذلك في معرض محاجة الكافرين والمشركين والمتشككين، وفي إثبات الألوهية لرب العالمين بغير شريك ولا شبيه ولا منازع. 

وكانت دعوى الكفرين منذ الأزل، والى يوم الدين، هي محاولة إنكار قضيتي الخلقي والبعث بعد الإفناء،وهما من القضايا التي لا تقع تحت الإدراك المباشر للعلماء، على الرغم من أن الله تعالى قد أبقى لنا في أديم الأرض، وفي صفحة السماء من الشواهد الحسية الملموسة ما يمكن أن يعين المتفكرين المتدبرين من بني الإنسان على إدراك حقيقة الخلق، وحتمية الإفناء والبعث، ويبقى فهم تفاصيل ذلك في غيبة من الهداية الربانية شيئاً من الضرب في الظلام، وفى ذلك يقول الحق (تبارك وتعالى) رداً على الظالمين من الكافرين والمشركين والمتشككين من الجن والإنس: { ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضداً } (الكهف 51). 

وفى تشجيع الإنسان على التفكر والتدبر في خلق السماوات والأرض يقول ربنا (تبارك وتعالى) في محكم كتابه: { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار } (آل عمران 190-191). 

وكان لنزول هاتين الآيتين الكريمتين وما تلاهما من آيات في السورة نفسها وقع شديد على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، الذي يروى عنه أنه قال عقب الوحي بها: "ويل لمن قرأ هذه الآيات ثم لم يتفكر فيها". 

وواضح الأمر في ذلك أن التفكر في خلق السماوات والأرض فريضة إسلامية لابد من قيام نفر من المسلمين بها، لأنها عبادة من أجل وأعظم العبادات لله الخالق، ووسيلة من أعظم الوسائل للتعرف على كل من حقيقة الخلق، وحتمية الإفناء وضرورة البعث، وللتأكيد على عظمة الخالق (سبحانه وتعالى)، وعلى تفرده بالألوهية، والربوبية، والوحدانية، فالكون الذي نحيا فيه شاسع الاتساع، دقيق البناء، محكم الحركة، منضبط في كل أمر من أموره، مبني على وتيرة واحدة من أدق دقائقه إلى أكبر وحداته، وكون هذا شانه لا يمكن لعاقل أن يتصور أنه قد وجد بمحض المصادفة أو أن يكون قد أوجد نفسه بنفسه، بل لا بد له من موجد عظيم له من طلاقة القدرة، وكمال الحكمة، وشمول العلم ما أبدع به هذا الكون بكل ما فيه ومن فيه، وهذا الخالق العظيم لا ينازعه أحد في ملكه، ولا يشاركه أحد في سلطانه، لأنه رب هذا الكون ومليكه، ولا يشبهه أحد من خلقه، لأنه (تعالى) خالق كل شيء، وهو بالقطع فوق كل خلقه، لا يحده المكان، ولا الزمان لأنه (سبحانه) خالقهما، ولا يشكله أي من المادة أو الطاقة، لأنه (تعالى) مبدعهما، ولا نعرف عن ذاته العلية إلا ما عرف به نفسه بقوله (عز من قائل): "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" (الشورى: 11). 

وقوله (سبحانه) مخاطباً خاتم أنبيائه ورسله (صلى الله عليه وسلم): { قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد } (الإخلاص 1-4). 

من هنا كان التفكر في خلق السماوات والأرض مدخلاً عظيماً من مداخل الإيمان بالله، ولذا حض عليه القرآن الكريم، كما حضت عليه السنة النبوية المطهرة حضاً كثيراً. 

تأكيد القرآن الكريم على ما في السماوات والأرض من أدلة الخلق والإفناء والبعث يؤكد القرآن الكريم على ما في السماوات والأرض من الأدلة التي تنطق بطلاقة القدرة الإلهية في خلقهما وإبداعهما، كما تنطق بحتمية إفنائهما، وإعادة خلقهما من جديد في هيئة غير التي نراهما فيها اليوم، وذلك في عدد غير قليل من الآيات التي منها قوله (تعالى): { وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ... } (الأنعام: 73). 

وقوله (سبحانه): { خلق الله السماوات والأرض بالحق، إن في ذلك لآية للمؤمنين } (العنكبوت: 44). 

وقوله (عز من قائل): { ... ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى، وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون } (الروم: 8). 

وقوله (تعالى): { ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم، إن في ذلك لآيات للعالمين } (الروم: 22). 

وقوله (سبحانه): { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم } (الروم: 27). 

وقوله (سبحانه وتعالى): { خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير } (التغابن: 3). 

وقوله (عز من قائل): { خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار } (الزمر: 5) 

وقوله (سبحانه): { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون } (غافر: 57). 

وقوله (تعالى): { ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير } (الشورى: 29). 

وقوله (سبحانه وتعالى): { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين، ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون } (الدخان: 38 و39). 

تأكيد القرآن الكريم على أن الله تعالى هو خالق السماوات والأرض وخالق كل شيء جاءت مادة "خلق" بمشتقاتها في القرآن الكريم مائتين وإحدى وستين (261) مرة، لتأكيد أن عملية الخلق هي عملية خاصة بالله (تعالى) وحده، لا يشاركه فيها أحد، ولا ينازعه عليها أحد، ولا يقدر عليها أحد غيره (سبحانه وتعالى) إلا بإذنه، كذلك وردت لفظة السماء في القرآن الكريم بالإفراد والجمع في ثلاثمائة وعشر (310) مواضع، منها مائة وعشرون (120) مرة بصيغة الإفراد (السماء)، ومائة وتسعون (190) مرة بصيغة الجمع (السماوات) معرفة وغير معرفة، كما وردت لفظة الأرض بمشتقاتها في أربعمائة وواحد وستين (461) موضعاً، وذلك في مقامات كثيرة تؤكد أن الله (تعالى) هو خالق السماوات والأرض، وخالق كل شيء، من مثل قوله (عز من قائل): { ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل } (الأنعام: 102). 

وقوله (سبحانه): { ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين } (الأعراف: 54). 

وقوله (تعالى): { إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ... } (يونس: 41). 

وقوله (سبحانه وتعالى): { ...قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار } (الرعد: 16). 

وقوله (تبارك وتعالى): { ... وخلق كل شيء فقدره تقديراً } (الفرقان: 2). 

وقوله (عز من قائل): { الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل } (الزمر: 62).

وقوله (سبحانه): { ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون } (غافر: 62). 

وقوله (تعالى): { إنا كل شيء خلقناه بقدر } (القمر: 49). 

وقوله (سبحانه وتعالى): { هو الله الخالق البارئ المصور ...} (الحشر: 24). 

هذا ، وقد أفاض القرآن الكريم في حسم قضيتي الخلق والبعث بنستهما إلى الله (تعالى) وحده، وذلك لأن هاتين القضيتين كانتا من أصعب القضايا التي خاض فيها الجاحدون والمتشككون بغير علم ولا هدى عبر التاريخ، ولا يزالون يستخدمون هذا الجحود والإنكار في معارضة قضية الإيمان بالله الخالق البارئ المصور، ويرد عليهم القرآن الكريم بقول الحق (تبارك وتعالى): { أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون } (النحل: 17). 

وقوله (تعالى) في السورة نفسها: { والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون } (النحل: 20). 

وقوله (سبحانه وتعالى): { واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون } (الفرقان: 3). 

وقوله (تبارك وتعالى): { أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون، أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون } (الطور: 35 و36). 

وقوله (عز من قائل): { قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون } (يونس: 34). 

وقوله (تعالى): { أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير، قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير } (العنكبوت: 19-20). 

موقف الحضارة الإسلامية من قضية الخلق : 

بعد بعثة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) انطلق المسلمون من الإيمان بحقيقة الخلق، وحتمية البعث، ليقيموا (على أساس من تلك العقيدة الربانية الخالصة) أعظم حضارة في التاريخ، لأنها كانت الحضارة الوحيدة التي جمعت بين الدنيا والآخرة في معادلة واحدة، واستمرت لأكثر من عشرة قرون كاملة، تدعو إلى عبادة الله (تعالى) بما أمر (على التوحيد الخالص لذاته العلية، والتنزيه الكامل لأسمائه وصفاته عن الشبيه والشريك والمنازع)، وإلى حسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض، وإقامة عدل الله فيها، على أساس من شرعه المنزل على خاتم أنبيائه ورسله، والذي تعهد (سبحانه وتعالى) بحفظه بنفس اللغة التي أنزل بها (كلمة كلمة وحرفاً حرفاً) فحفظ حتى لا يكون للناس على الله حجة بعد نزول هذا الوحي الخاتم، وتعهد الله (تعالى) بحفظه من الضياع أو التحريف. 

وبهذا الجمع المتزن بين وحي السماء والاجتهاد في كسب المعارف النافعة، حملت حضارة الإسلام مشاعل المعرفة في كل مناشط الحياة الدينية والعمرانية، وأقامت قاعدة صلبة للدين والعلم والتقنية، وآمنت بوحدة المعرفة، وبأن "الحكمة هي ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أولى الناس بها"، فجمعت المعارف من مختلف مصادرها مهما تباعدت أماكنها، واختلفت الحضارات التي انبثقت عنها، ومعتقدات أصحابها، ولكنها لم تقبل تلك المعارف قبول التسليم، فقامت بغربلة تراث الإنسانية المتاح لها، بمعيار الإسلام العظيم القائم على أساس من التوحيد الخالص لله، وذلك لتطهير هذا التراث من أدران الشرك والكفر والجحود بالله، وأضافت إليه إضافات أصيلة عديدة في كل المجالات، مما مثل القاعدة التي انطلقت منها النهضة العلمية والتقنية المعاصرة، كما يعترف بذلك عدد غير قليل من العلماء المعاصرين غربيين وشرقيين.

ولم يحل الإيمان بالغيب دون التقدم العلمي والتقني في الحضارة الإسلامية، بل حض عليه الإسلام حضاً، واعتبره نمطاً من أنماط عبادة الله (تعالى) والتفكر في خلقه ووسيلة منهجية لاستقراء سنن الله في الكون وتوظيفها في عمارة الأرض، وهي من واجبات الاستخلاف في الأرض، والوجه الثاني للعبادة التي يمثل وجهها الأول عبادة الله (اعالى) بما أمر، واتباع سنة خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وسلم). 

موقف الحضارة المادية المعاصرة من قضية الخلق : 

انطلقت الحضارة المادية المعاصرة في الأصل من بوتقة الحضارة الإسلامية، ولكن على مغايرة من حضارة المسلمين، فإن الغرب بنى حضارته على أساس من المادية البحتة، فنبذ الدين، ووقف موقف المنكر لقضية الإيمان بالله، وملائكته وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، الرافض لكل أمر غيبي، في عداء صريح، واستهجان أوضح، فتنكب الطريق، وضل ضلالاً بعيداً – على الرغم من القدر الهائل من الكشوف العلمية، والإنجازات التقنية المذهلة التي حققها، والتي يمكن أن تكون سبباً في دماره في غيبة الالتزام الديني والروحي والأخلاقي، وصدق الله العظيم الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق: { فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون، فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين } (الأنعام 44-45). 

وبنبذ الإيمان بالله، وصلت المجتمعات الغربية إلى مستوى متدن من التحلل الأخلاقي، والانهيار الاجتماعي، ومجافاة الفطرة التي فطر الله الخلق عليها، في وقت فيه ملكت من أسباب الغلبة المادية ما يمكن أن يعينها على الاستعلاء في الأرض، والتجبر على الخلق، ونشر المظالم بغير مراعاة لرب أو مخافة من حساب، مما يمكن أن يهدد البشرية بالفناء...!! 

ولا تزال المعارف الإنسانية بصفة عامة والعلمية منها بصفة خاصة، تكتب إلى يومنا هذا، من منطلقات مادية صرفة، لا تؤمن إلا بالمدرك المحسوس، وتتنكر لكل ما هو فوق ذلك، فدارت بالمجتمعات الإنسانية في متاهات من الضياع، ضلت وأضلت، على الرغم من الكم الهائل من المعلومات التي تحتويها، وروعة التقنيات التي أنجزتها.

وكان ضلال الحضارة المادية المعاصرة أبلغ ما يكون في القضايا التي لا يمكن إخضاعها لإدراك الإنسان المباشر، من مثل قضايا الخلق والإفناء والبعث (خلق الكون، خلق الحياة، خلق الإنسان، ثم إفناء كل ذلك وإعادة خلقه من جديد)، وهي من القضايا التي إذا خاض فيها الإنسان بغير هداية ربانية فإنه يضل ضلالاً بعيداً، وصدق الله العظيم إذ يقول في الرد على هؤلاء الظالمين من الكافرين والمشركين والمتشككين من الجن والإنس: { ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضداً } (الكهف: 51). 

وعلى الرغم من تأكيد القرآن الكريم أن أحداً من الجن والإنس، لم يشهد خلق السماوات والأرض، ولا خلق نفسه، فإنه يؤكد ضرورة التفكر في خلق السماوات والأرض وخلق الحياة لأن ذلك من أعظم الدلائل على طلاقة القدرة الإلهية، وكمال الصنعة الربانية، وعلى كل من حتمية الآخرة وضرورة البعث والحساب والجنة والنار، وذلك لأن الخالق (سبحانه وتعالى) قد ترك لنا في صخور الأرض وفي صفحة السماء ما يمكن أن يعين الإنسان على فهم قضيتي الخلق والبعث، بالرغم من محدودية قدراته الذهنية والحسية، واتساع الكون وضخامة أبعاده وتعقيد بنائه، وكذلك تعقيد بناء الجسد الإنساني وبناء خلاياه، وهي صور رائعة لتسخير الكون للإنسان، وجعله في متناول إدراكه وحسه.


أسماء الله الحسنى - اللطيف


اللطيف

 
هو الذى لطفت أفعاله وحسنت ، وهو الذى يعلم دقائق الأمور ثم يسلك فى إيصالها لمستحقيها بالرفق دون العنف ، وهو يرفق بعباده فى هدايتهم
قال الله تعالى
( الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوى العزيز ) الشورى 19
( ان ربى لطيف لما يشاء ) جاءت بعد قوله ( وقد أحسن بى اذ أخرجنى من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين اخوتى ) يوسف 100
( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة ان الله لطيف خبير ) الحج 63
( لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ) الأنعام 103

Saturday, February 19, 2011

موقف المفسرين من الآيات الكونية في القرآن الكريم‏ - 2


موقف المفسرين من الآيات الكونية في القرآن الكريم‏ - 2
القرآن يحض علي تدبر آياته ومعانيه والاجتهاد في تفسيره ضرورة
بقلم الدكتور‏:‏زغلول النجار

حرص كثير من علماء المسلمين‏,‏ علي ألا يتم تأويل الاشارات العلمية‏,‏ الواردة في القرآن الكريم إلا في ضوء الحقائق العلمية المؤكدة من القوانين والقواعد الثابتة‏,‏ أما الفروض والنظريات فلا يجوز تخديمها في فهم ذلك وحتي هذا الموقف نعتبره تحفظا مبالغا فيه‏,‏ فكما يختلف دارسو القرآن الكريم في فهم بعض الدلالات اللفظية‏,‏ والصور البيانية‏,‏ وغيرها من القضايا اللغوية ولا يجدون حرجا في ذلك العمل الذي يقومون به في غيبة نص ثابت مأثور‏,‏ فاننا نري أنه لا حرج علي الإطلاق في فهم الاشارات الكونية الواردة بالقرآن الكريم علي ضوء المعارف العلمية المتاحة‏,‏ حتي ولو لم تكن تلك المعارف قد ارتقت إلي مستوي الحقائق الثابتة‏,‏ وذلك لأن التفسير يبقي جهدا بشريا خالصا ـ بكل ما للبشر من صفات القصور‏,‏ والنقص‏,‏ وحدود القدرة‏,‏ ثم ان العلماء التجريبيين قد يجمعون علي نظرية ما‏.‏ لها من الشواهد ما يؤيدها‏,‏ وان لم ترق بعد الي مرتبة القاعدة أو القانون‏,‏ وقد لا يكون أمام العلماء من مخرج للوصول بها الي ذلك المستوي أبدا‏,‏ فمن أمور الكون العديدة مالا سبيل للعلماء التجريبيين من الوصول فيها الي حقيقة أبدا‏,‏ ولكن قد يتجمع لديهم من الشواهد مايمكن أن يعين علي بلورة نظرية من النظريات‏,‏ ويبقي العلم التجريبي مسلما بأنه لا يستطيع أن يتعدي تلك المرحلة في ذلك المجال بعينه أبدا‏,‏ والأمثلة علي ذلك كثيرة منها النظريات المفسرة لأصل الكون وأصل الحياة وأصل الإنسان‏,‏ وقد مرت بمراحل متعددة من الفروض العلمية حتي وصلت اليوم الي عدد محدود من النظريات المقبولة‏,‏ ولا يتخيل العلماء أنهم سيصلون في يوم من الأيام الي أكثر من تفضيل لنظرية علي أخري‏,‏ أو تطوير لنظرية عن أخري‏,‏ أو وضع لنظرية جديدة‏,‏ دون الادعاء بالوصول الي قانون قطعي‏,‏ أو قاعدة ثابتة لذلك‏,‏ فهذه مجالات إذا دخلها الإنسان بغير هداية ربانية فإنه يضل فيها ضلالا بعيدا‏,‏ وصدق الله العظيم اذ يقول‏:‏
ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا‏.(‏ الكهف‏51)‏

وذلك لأنه علي الرغم من أن العلماء التجريبيين يستقرئون حقائق الكون بالمشاهدة والاستنتاج‏,‏ أو بالتجربة والملاحظة والاستنتاج‏,‏ في عمليات قابلة للتكرار والاعادة‏,‏ إلا أن من أمور الكون مالا يمكن إخضاعه لذلك من مثل قضايا الخلق‏:‏ خلق الكون‏,‏ وخلق الحياة وخلق الانسان‏.‏ وهي قضايا لا يمكن للإنسان أن يصل فيها إلي تصور صحيح أبدا بغير هداية ربانية‏,‏ ولولا الثبات في سنن الله التي تحكم الكون ومافيه ما تمكن الانسان من اكتشافها‏,...‏ ولا يظن عاقل أن البشر مطالبون بما هو فوق طاقاتهم ـ خاصة في فهم كتاب الله ـ الذي أنزل لهم‏,‏ ويسر لتذكرهم لقول الحق تبارك وتعالي‏:‏
‏(‏ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر‏)(‏ القمر‏:‏ الآيات‏40,32,22,17)‏
ففي الوقت الذي يقرر القرآن الكريم فيه أن الله لم يشهد الناس خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم‏,‏ نجده في آيات أخر يأمرهم بالنظر في كيفية بداية الخلق‏,‏ وهي من أصعب قضايا العلوم الكونية البحتة منها والتطبيقية قاطبة اذ يقول‏(‏ عز من قائل‏:‏

‏(‏أو لم يروا كيف يبديء الله الخلق ثم يعيده ان ذلك علي الله يسير‏*‏ قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشيء النشأة الأخرة ان الله علي كل شيء قدير‏)(‏ العنكبوت‏:20,19)‏
مما يشير الي أن بالأرض سجلا حافلا بالحقائق التي يمكن أن يستدل منها علي كيفية الخلق الأول‏,‏ وعلي امكانية النشأة الآخرة‏,‏ والأمر في الآية من الله تعالي الي رسوله الكريم ليدع الناس كافة الي السير في الأرض‏,‏ واستخلاص العبرة من فهم كيفية ا لخلق الأول‏,‏ وهي قضية تقع من العلوم الكونية‏(‏ البحتة والتطبيقية‏)‏ في الصميم‏,‏ ان لم تكن تشكل أصعب قضية علمية عالجها الانسان‏.‏
وهذه القضايا‏:‏ قضايا الخلق وإفنائه وإعادة خلقه لها في كتاب الله وفي سنة رسوله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ من الإشارات اللطيفة مايمكن الإنسان المسلم من تفضيل نظرية من النظريات أو فرض من الفروض والارتقاء بها أو به إلي مقام الحقيقة لمجرد ورود ذكر لها أو له في كتاب الله أو في سنة رسوله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ونكون بذلك قد انتصرنا بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة للعلم وليس العكس‏.‏

وعلي ذلك فاني أري جواز فهم الاشارات العلمية الواردة بالقرآن الكريم علي أساس من الحقائق العلمية الثابتة أولا‏,‏ فان لم تتوافر فبالنظرية السائدة‏,‏ فان لم تتوافر فبالفرض العلمي المنطقي المقبول‏,‏ حتي لو أدي التطور العلمي في المستقبل الي تغيير تلك النظرية‏,‏ أو ذلك الفرض أو تطويرهما أو تعديلهما‏,‏ لأن التفسير ـ كما سبق أن أشرت يبقي اجتهادا بشريا خالصا من أجل حسن فهم دلالة الآية القرآنية إن أصاب فيه المرء فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد‏,‏ ويبقي هذا الاجتهاد‏,‏ قابلا للزيادة والنقصان‏,‏ وللنقد والتعديل والتبديل‏.‏
الرد علي القائلين بعدم جواز رؤية كلام الله في إطار محاولات البشر
ان في كون القرآن الكريم بيانا من الله تعالي إلي الناس كافة‏,‏ يفرض علي المتخصصين من أبناء المسلمين أن يفهموه ـ كل في حقل تخصصه ـ علي ضوء ماتجمع له من معارف بتوظيف مناهج الاستقراء الدقيقة‏,‏ فالقرآن نزل للناس ليفهموه وليتدبروا آياته‏.‏ ثم ان تأويل آيات الكونيات علي ضوء من معطيات العلوم التجريبية لا يشكل احتجاجا علي القرآن بالمعارف المكتسبة‏,‏ ولا انتصارا له بها‏,‏ فالقرآن بالقطع ـ فوق ذلك كله‏,‏ ولأن التأويل علي أساس من المعطيات العلمية الحديثة يبقي محاولة بشرية للفهم في اطار لم يكن متوفرا للناس من قبل‏,‏ ولا يمكن أن تكون محاولات البشر لفهم القرآن الكريم حجة علي كتاب الله‏,‏ سواء اصابت أم أخطأت تلك المحاولات‏,‏ والا لما حفل القرآن الكريم بهذا الحشد الهائل‏,‏ من الآيات التي تحض علي استخدام كل الحواس البشرية للنظر في مختلف جنبات الكون بمنهج علمي استقرائي دقيق‏.‏ وذلك لأن الله تعالي قد جعل السنن الكونية علي قدر من الثبات والاطراد يمكن حواس الإنسان المتأمل لها‏,‏ المتفكر فيها‏,‏ المتدبر لتفاصيلها من إدراك أسرارها‏(‏ علي الرغم من حدود قدرات تلك الحواس‏),‏ ويعين عقله علي فهمها‏(‏ علي الرغم من حدود قدرات ذلك العقل‏),

‏ وربما كان هذا هو المقصود من آيات التسخير التي يزخر بها القرآن الكريم‏,‏ ويمن علينا ربنا تبارك وتعالي ـ وهو صاحب الفضل والمنة ـ بهذا التسخير الذي هو من أعظم نعمه علينا نحن العباد‏.‏
ومن أروع مايدركه الإنسان المتأمل في الكون كثرة الأدلة المادية الملموسة علي كل حدث وقع في الكون صغر أم كبر‏,‏ أدلة مدونة في صفحة الكون وفي صخور الأرض بصورة يمكن لحواس الإنسان ولعقله إدراكها لو اتبع المنهج العلمي الاستقرائي الصحيح‏,‏ فما من انفجار حدث في صفحة الكون إلا وهو مدون‏,‏ ومامن نجم توهج أو خمد إلا وله أثر‏,‏ وما من هزة أرضية أو ثورة بركانية أو حركة بانية للجبال إلا وهي مسجلة في صخور القشرة الأرضية‏,‏ وما من تغير في تركيب الغلاف الغازي أو المائي للأرض إلا وهو مدون في صخور الأرض‏,‏ ومامن تقدم للبحار أو انحسار لها‏,‏ ولا تغير في المناخ إلا وهو مدون كذلك في صخور الأرض‏,‏ ومامن هبوط نيازك أو أشعة كونية علي الأرض إلا وهو مسجل‏.‏ في صخورها‏.‏ ومن هنا فإن الدعوة القرآنية للتأمل في الكون واستخلاص سنن الله فيه وتوظيف تلك السنن في عمارة الأرض والقيام بواجب الاستخلاف فيها هي دعوة للناس في كل زمان ومكان‏,‏ وهي دعوة لا تتوقف ولا تتخلف ولا تتعطل انطلاقا من الحقيقة الواقعة أنه مهما اتسعت دائرة المعرفة الإنسانية فإن القرآن الكريم يبقي ـ دوما ـ مهيمنا عليها‏,‏ محيطا بها لأنه كلام الله الخالق الذي أبدع هذا الكون بعلمه وقدرته وحكمته‏,‏ والذي هو أدري بصنعته من كل من هم سواه‏.‏

وعلي ذلك فإن مقابلة كلام الله بمحاولة البشر لتفسيره وإثبات جوانب الإعجاز فيه لا تنتقص من جلال الربوبية الذي يتلألأ بين كلمات هذا البيان الرباني الخالص‏,‏ وإنما تزيد المؤمنين ثباتا علي إيمانهم‏,‏ وتقيم الحجة علي الجاحدين من الكفار والمشركين‏,‏ وحتي لو أخطأ المفسر في فهم دلالة أية من آيات القرآن الكريم فإن هذا الخطأ يعد علي المفسر نفسه ولا ينسحب علي جلال كلام الله أبدا‏,‏ والذين فسروا باللغة أصابوا وأخطأوا‏,‏ وكذلك الذين فسروا بالتاريخ‏,‏ فليحاول العلماء التجريبيون تفسير الآيات الكونية بما تجمع لديهم من معارف لأن تلك الآيات لا يمكن فهم دلالاتها فهما كاملا‏,‏ ولا استقراء جوانب الإعجاز فيها في حدود أطرها اللغوية وحدها‏.‏

الرد علي المدعين
بكفر الكتابات العلمية المعاصرة
إن الاحتجاج بأن العلوم التجريبية ـ في ظل الحضارة المادية المعاصرة ـ تنطلق في معظمها من منطلقات مادية بحتة‏,‏ تنكر أو تتجاهل الغيب‏,‏ ولا تؤمن بالله‏,‏ وأن للكثيرين من المشتغلين بالعلوم مواقف عدائية واضحة من قضية الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر‏,‏ فمرده بعيد عن طبيعة العلوم الكونية‏,‏ وانما يرجع ذلك الي العقائد الفاسدة التي أفرزتها الحضارة المادية المعاصرة‏,‏ والتي تحاول فرضها علي كل استنتاج علمي كلي‏,‏ وعلي كل رؤية شاملة للكون والحياة‏,‏ في وقت حققت فيه قفزات‏.‏ هائلة في مجال العلوم الكونية البحتة منها والتطبيقية‏,‏ بينما تخلف المسلمون في كل أمر من أمور الحياة بصفة عامة‏,‏ وفي مجال العلوم والتقنية بصفة خاصة‏,‏ مما أدي الي انتقال القيادة الفكرية في هذه المجالات علي وجه الخصوص إلي أمم سبق للعلماء فيها أن عانوا معاناة شديدة من تسلط الكنيسة عليهم‏,‏ واضطهادها لهم‏,‏ ورفضها للمنهج العلمي ولكل معطياته ووقوفها حجر عثرة في وجه أي تقدم علمي‏,‏ كما حدث في أوروبا في أوائل عصر النهضة‏.‏ فانطلق العلماء الغربيون من منطلق العداوة للكنيسة أولا ثم لقضية الايمان بالتبعية‏,‏ وداروا بالعلوم الكونية ومعطياتها في اطارها المادي فقط‏,‏ وبرعوا في ذلك براعة ملحوظة‏,‏ ولكنهم ضلوا السبيل وتنكبوه حينما حبسوا أنفسهم في اطار المادة‏,‏ ولم يتمكنوا من أدراك ما فوقها‏,‏ أو منعوا أنفسهم من التفكير فيه‏,‏ فأصبحت الغالبية العظمي من العلوم تكتب من مفهوم مادي صرف‏,‏ وأنتقلت عدوي ذلك الي عالمنا المسلم أثناء مرحلة اللهث وراء اللحاق بالركب التي نعيشها وما صاحب ذلك من مركبات الشعور بالنقص‏,‏ أو نتيجة لدس الأعداء‏,‏ وانبهار البلهاء بما حققته الحضارة المادية المعاصرة من انتصارات في مجال العلوم البحتة والتطبيقية‏,‏ وما وصلت اليه من أسباب القوة والغلبة‏,‏ وما حملته معها حركة الترجمة من غث وسمين‏,‏ فأصبحت العلوم تكتب اليوم في عالمنا المعاصر من نفس المنطلق لأنها عادة ماتدرس وتكتب وتنشر بلغات أجنبية علي نفس النمط الذي ارست قواعده الحضارة المادية‏,‏ وحتي ماينشر منها باللغة العربية‏,‏ أو بغيرها من اللغات المحلية‏,‏ لا يكاد يخرج في مجموعه عن كونه ترجمة مباشرة أو غير مباشرة للفكر الغريب الوافد بكل مافيه من تعارض واضح أحيانا مع نصوص الدين‏,‏ وهنا تقتضي الأمانة اثبات ان ذلك الموقف غريب علي العلم وحقائقه ومن هنا أيضا كان من واجب المسلمين اعادة التأصيل الاسلامي للمعارف العلمية أي اعادة كتابة العلوم بل والمعارف المكتسبة كلها من منطلق اسلامي صحيح خاصة أن المعطيات الكلية للعلوم البحتة والتطبيقية ـ بعد وصولها الي قدر من التكامل في هذا العصر ـ اصبحت من أقوي الأدلة علي وجود الله وعلي تفرده بالألوهية والربوبية وبكامل الأسماء و‏,‏الصفات‏,‏ وأنصع الشواهد علي حقيقة الخلق وحتمية البعث وضرورة الحساب وأن العلوم الكونية كانت ولا تزال النافذة الرئيسية التي تتصل منها الحضارة المعاصرة بالفطرة الربانية وأن المنهج العلمي ونجاحه في الكشف عن عدد من حقائق هذا الكون متوقف علي اتساق تلك الفطرة واتصاف سننها بالاطراد والثبات‏.‏

الرد علي الادعاء بالتعارض
بين معطيات العلم والدين
إن القول بأن عددا من المعطيات الكلية للعلوم التجريبية ـ كما تصاغ في الحضارة المادية المعاصرة ـ قد تتباين مع الأصول الاسلامية الثابتة ـ قول علي اطلاقه غير صحيح لانه اذا جاز ذلك في بعض الاستنتاجات الجزئية الخاطئة‏,‏ أو في بعض الأوقات كما كان الحال في مطلع هذا القرن‏,‏ والمعرفة بالكون جزئية متناثرة‏,‏ ساذجة بسيطة‏,‏ أو في الجزء المتأخر منه عندما أدت المبالغة في التخصص الي حصر العلماء في دوائر ضيقة للغاية حجبت عنهم الرؤية الكلية لمعطيات العلوم‏,‏ فإنه لا يجوز‏:‏اليوم حين بلغت المعارف بأشياء هذا الكون حدا لم تبلغه البشرية من قبل وقد أصبحت الاستنتاجات الكلية لتلك المعارف تؤكد ضرورة الإيمان بالخالق الباريء المصور الذي ليس كمثله شيء‏,‏ وعلي ضرورة التسليم بالغيب وبالوحي وبالبعث وبالحساب‏,‏ فمن المعطيات الكلية للعلوم الكونية المعاصرة ما يمكن إيجازه فيما يلي‏:‏ ـ
أن هذا الكون الذي نحيا فيه متناه في أبعاده مذهل في دقة بنائه‏,‏ مذهل في إحكام ترابطه وانتظام حركاته‏.‏

ـ أن هذا الكون مبني علي نفس النظام من أدق دقائقه إلي أكبر وحداته‏.‏
أن هذا الكون دائم الاتساع إلي نهاية لا يستطيع العلم المكتسب إدراكها‏.‏
ـ أن هذا الكون ـ علي قدمه ـ مستحدث مخلوق‏,‏ كانت له في الماضي السحيق بداية حاول العلم التجريبي قياسها‏,‏ ووصل فيها الي دلالات تكاد تكون ثابتة ـ لو استبعدنا الأخطاء التجريبية‏.‏

ـ ان هذا الكون عارض أي أنه لابد أن ستكون له في يوم من الأيام نهاية تشير إليها كل الظواهر الكونية من حولنا‏.‏
ـ ان هذا الكون المادي لا يمكن أن يكون قد أوجد نفسه بنفسه ولا يمكن لأي من مكوناته المادية أن تكون قد أوجدته‏.‏
ـ ان هذا الكون المتناهي الأبعاد‏.‏ الدائم الاتساع‏,‏ المحكم البناء‏,‏ الدقيق الحركة والنظام الذي يدور كل ما فيه في مدارات محددة وبسرعات مذهلة متفاوتة وثابتة لا يمكن أن يكون قد وجد بمحض المصادفة‏.‏

ـ هذه المعطيات السابقة تفضي الي حقيقة منطقية واحدة مؤداها أنه اذا كان هذا الكون الحادث لا يمكن أن يكون قد وجد بمحض المصادفة‏.‏ فلابد له من موجد عظيم له من العلم والقدرة والحكمة وغير ذلك من صفات الكمال والتنزيه ما لا يتوافر لشيء من خلقه بل ما يغاير صفات المخلوقات جميعا فلا تحده‏.‏ حدود المكان ولا الزمان ولا قوالب المادة أو الطاقة‏,‏ ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ولا ينسحب عليه ما يحكم خلقه من سنن وقوانين‏,‏ لأنه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏
‏(‏ ليس كمثله شيء‏)(‏ الشوري‏:11)‏
ـ هذا الخالق العظيم الذي أوجد الكون بما فيه ومن فيه هو وحده الذي يملك القدرة علي ازالته وافنائه ثم اعادة خلقه وقتما شاء وكيفما شاء‏:‏
يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب‏,‏ كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين‏.(‏ الأنبياء‏:‏ آية‏104)‏
إنما قولنا لشيء اذا أردناه أن نقول له كن فيكون‏(‏ النحل‏:40)‏

ـ ان الوحدة في هذا الكون تشير الي وحدانية هذا الخالق العظيم‏,‏ وحدة بناء كل من الذرة والخلية الحية والمجموعة الشمسية والمجرة وغيرها‏,‏ ووحدة تأصيل العناصر كلها وردها الي أبسطها وهو غاز الايدروجين‏,‏ ووحدة تواصل كل صور الطاقة‏,‏ وتواصل المادة والطاقة‏,‏ وتواصل المخلوقات‏,‏ هذا التواصل وتلك الوحدة التي يميزها التنوع في أزواج‏,‏ وتلك الزوجية التي تنتظم كل صور المخلوقات من الأحياء والجمادات تشهد بتفرد الخالق الباريء المصور بالوحدانية‏,‏ واستعلاء هذا الخالق الواحد الأحد الفرد الصمد فوق خلقه بمقام الألوهية والربوبية الذي لا يشاركه فيه أحد ولا ينازعه علي سلطانه منازع ولا يشبهه من خلقه شيء
ـ ان العلوم التجريبية في تعاملها مع المدرك المحسوس فقط‏,‏ قد استطاعت أن تتوصل الي أن بالكون غيبا قد لا يستطيع الانسان أن يشق حجبه‏,‏ ولولا ذلك الغيب ما استمرت تلك العلوم في التطور والنماء‏,‏ لأن أكبر الاكتشافات العلمية قد نمت نتيجة للبحث الدءوب عن هذا الغيب‏.‏
ـ تؤكد العلوم التجريبية أن بالأحياء سرا لا نعرف كنهه‏,‏ لأننا نعلم مكونات الخلية الحية‏,‏ والتركيب المادي لجسد الانسان‏,‏ ومع ذلك لم يستطع هذا العلم أن يصنع لنا خلية حية واحدة‏,‏ أو أن يوجد لنا انسانا عن غير الطريق الفطري لا يجاده‏.‏
ـ ان النظر في أي من زوايا هذا الكون ليؤكد حاجته ـ بمن فيه وما فيه ـ الي رعاية خالقه العظيم في كل لحظة من لحظات وجوده

ـ ان العلوم الكونية اذ تقدر أن الكون والإنسان في شكليهما الحاليين ليسا أبديين‏,‏ فانها ـ وعلي غير قصد منها ـ لتؤكد حقيقة الآخرة‏,‏ بل وعلي حتميتها‏,‏ والموت يتراءي في مختلف جنبات هذا الكون في كل لحظة من لحظات وجوده‏,‏ شاملا الانسان والحيوان والنبات والجماد وأجرام السماء علي تباين هيئاتها‏,‏ وتكفي في ذلك الاشارة الي ما أثبتته المشاهدة من أن الشمس تفقد من كتلتها بالاشعاع ما يقدر بحوالي‏4,6‏ مليون طن في كل ثانية وانها اذ تستمر في ذلك فلابد من أن يأتي الوقت الذي تخبو فيه جذوتها‏,‏ وينطفيء أوراها‏,‏ وتنتهي الحياة علي الأرض قبل ذلك‏,‏ لاعتمادها في ممارسة انشطتها الحيوية علي آشعة الشمس وأن الطاقة تنتقل من الأجسام الحارة الي الأجسام الأقل حرارة بطريقة مستمرة في محاولة لتساوي درجات حرارة الأجرام المختلفة في الكون ولابد أن تنتهي بذلك أو قبله كل صور الحياة المعروفة لنا‏,‏ وليس معني ذلك أنه يمكن معرفة متي تكون نهاية هذا الوجود‏,‏ لأن الآخرة قرار الهي لا يرتبط بسنن الدنيا‏,‏ وإن أبقي الله تعالي لنا في الدنيا من الظواهر والسنن ما يؤكد امكانية وقوع الآخرة‏,‏ بل حتميتها انصياعا للأمر الإلهي كن فيكون وأن الإنسان الذي يحوي جسده في المتوسط ألف مليون مليون خلية يفقد فيها في كل ثانية ما يقدر بحوالي‏125‏ مليون خلية تموت ويتخلق غيرها بحيث تتبدل جميع خلايا جسد الفرد من بني البشر مرة كل عشر سنوات تقريبا‏,‏ فيما عدا الخلايا العصبية التي إذا ماتت لا تتجدد‏,‏ وتكفي في ذلك أيضا الإشارة إلي أن انتقال الاليكترون من مدار إلي آخر حول نواة الذرة يتم بسرعة مذهلة دفعت بعدد من العلماء إلي الاعتقاد بأنه فناء في مدار وخلق جديد في مدار آخر‏,‏ كما تكفي الإشارة إلي ظاهرة اتساع الكون عن طريق تباعد المجرات عن بعضها البعض بسرعات مذهلة تقترب من سرعة الضوء‏(‏ أي حوالي ثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية‏)‏ وتخلق المادة في المسافات الجديدة الناتجة عن هذا التباعد المستمد بطريقة لايعلمها إلا الله‏,‏ وتباطؤ هذا التباعد الناتج عن ظاهرة الانفجار العظيم مع الزمن مما يشير إلي حتمية تغلب الجاذبية علي عملية الدفع إلي الخارج مما يؤدي إلي إعادة جمع مادة الكون ومختلف صور الطاقة فيه في جرم واحد ذي كثافة بالغة مما يجعله في حالة من عدم الاستقرار تؤدي إلي انفجاره علي هيئة شبيهة بالانفجار الأول الذي تم به خلق الكون‏,‏ فيتحول هذا الجرم إلي غلالة من دخان كما تحول الجرم الأول‏,‏ وتتخلق من هذا الدخان أرض غير الأرض‏,‏ وسماوات غير السماوات‏.‏

كما وعد ربنا تبارك وتعالي بقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏
يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين‏(‏ الأنبياء‏:‏ آية‏104)‏
وقوله‏(‏ سبحانه‏):‏
يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار‏(‏ إبراهيم‏:48).‏

وتكفي في ذلك أيضا الإشارة إلي أن الذرات في جميع الأحماض الأمينية والجزيئات البروتينية تترتب ترتيبا يساريا في أجساد كافة الكائنات الحية علي اختلاف مراتبها‏,‏ فإذا مامات الكائن الحي أعادت تلك الذرات ترتيب نفسها ترتيبا يمينيا بمعدلات ثابتة محددة يمكن باستخدامها تحديد لحظة وفاة الكائن الحي اذا بقيت من جسده بقية بعد مماته‏,‏ ويتعجب العلماء من القدرة التي مكنت الذرات من تلك الحركات المنضبطة بعد وفاة صاحبها وتحلل جسده‏!!‏
فهل يمكن لعاقل بعد ذلك أن يتصور أن العلوم الكونية ومعطياتها في أزهي عصور ازدهارها ـــ تتصادم مع قضية الايمان بالله‏,‏ وهذه هي معطياتها الكلية‏,‏ وهي في جملتها تكاد تتطابق مع تعاليم السماء‏,‏ وفي ذلك كتب المفكر الإسلامي الكبير الأستاذ محمد فريد وجدي‏(‏ يرحمه الله‏)‏ في خاتمة كتابه المستقبل للإسلام ما نصه‏:‏
إن كل خطوة يخطوها البشر في سبيل الرقي العلمي‏,‏ هي تقرب إلي ديننا الفطري‏,‏ حتي ينتهي الأمر إلي الإقرار الإجماعي بأنه الدين الحق‏.‏

ثم يضيف‏:..‏ نعم إن العالم بفضل تحرره من الوراثات والتقاليد‏,‏ وإمعانه في النقد والتمحيص‏,‏ يتمشي علي غير قصد منه نحو الإسلام‏,‏بخطوات متزنة ثابتة‏,‏ لاتوجد قوة في الأرض ترده‏.‏ عنه إلا إذا انحل عصام المدنية‏,‏ وارتكست الجماعات الإنسانية عن وجهتها العلمية‏.‏
وقد بدأت بوادر هذا التحول الفكري تظهر جلية اليوم‏,‏ وفي مختلف جنبات الأرض‏,‏ بإقبال أعداد كبيرة من العلماء والمتخصصين وكبار المثقفين والمفكرين علي الاسلام‏,‏ إقبالا لم تعرف له الانسانية مثيلا من قبل‏,‏ وأعداد هؤلاء العلماء الذين توصلوا الي الايمان بالله عن طريق النظر المباشر في الكون‏,‏ واستدلوا علي صدق خاتم رسله وأنبيائه‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بالوقوف علي عدد من الإشارات العلمية البارقة الصادقة في كتاب الله‏,‏ هم في تزايد مستمر‏,‏ وهذا واحد منهمموريس بوكاي الطبيب والباحث الفرنسي يسجل في كتابه الإنجيل والقرآن والعلم مانصه‏:..‏ لقد أثارت هذه الجوانب العلمية التي يختص بها القرآن دهشتي العميقة في البداية‏,‏ فلم أكن أعتقد قط بإمكان اكتشاف عدد كبير ـ إلي هذا الحد ــ من الدعاوي الخاصة بموضوعات شديدة التنوع ومطابقة تماما للمعارف العلمية الحديثة‏,‏ وذلك في نص دون منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا‏.‏ 

Friday, February 18, 2011

أسماء الله الحسنى - العدل

العدل
هو العادل الذى لايفعل الا ما ينبغى له فعله ويليق به سبحانه ، والعدل هو المساواه فى المكافأة ان خيرا فخير وان شرا فشر ، وهو سبحانه أعدل الحاكمين ، فبالعدل قامت السموات 
والأرض
ذو العدل ، وهو مصدر اُقيم مقام الأصل ، وحفّ به تعالى للمبالغة لكثرة عدله. 
قال الله تعالى
( ان الله يأمر بالعدل والاحسان )
( ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ان الله نعما يعظكم به ) النساء 58

موقف المفسرين من الآيات الكونية في القرآن الكريم‏

موقف المفسرين من الآيات الكونية في القرآن الكريم‏ -
القرآن يحض علي تدبر آياته ومعانيه والاجتهاد في تفسيره ضرورة
بقلم الدكتور‏:‏زغلول النجار

طال الجدل حول جواز تفسير الاشارات الكونية الواردة في كتاب الله علي أساس من معطيات علوم العصر وفنونه‏,‏ وتفاوتت مواقف العلماء من ذلك تفاوتا كبيرا بين مضيقين وموسعين ومعتدلين مما يمكن أن نوجزه فيما يلي‏:‏

موقف المضيقين‏:‏

وهو الموقف الذي يري أصحابه أن تفسير الآيات الكونية الواردة في كتاب الله‏,‏ علي ضوء ماتجمع لدي الانسان من معارف هو نوع من التفسير بالرأي الذي لا يجوز استنادا إلي أقوال منسوبة لرسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ منها‏:‏
من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ
ومن قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار وإلي أقوال منسوبة إلي كل من الخليفتين الراشدين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله تعالي عنهما من قول الأول أي سماء تظلني‏,‏ وأي أرض تقلني ان قلت في كتاب الله برأيي وقول الثاني اتبعوا ماتبين لكم من هذا الكتاب فأعملوا به‏,‏ ومالم تعرفوه فكلوه إلي ربه وكذلك استنادا إلي قول كل من سعيد بن المسيب وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما في الصحيح المنقول عن الأول انا لا نقول في القرآن شيئا وإلي الثاني لقد أدركت فقهاء المدينة وأنهم ليعظمون القول في التفسير‏.‏
وإلي القول المنسوب إلي مسروق بن الأجدع‏(‏ رضي الله عنه‏:)‏ اتقوا التفسير فانما هو الرواية عن الله

الرد علي المضيقين‏:‏

فات أصحاب هذا الموقف المضيق أن المقصود بالرأي في الحديث هو الهوي‏,‏ لا الرأي المنطقي المبني علي الحجة الواضحة والبرهان المقبول‏,‏ ويؤكد ذلك عبارة بغير علم التي وردت في الحديث الثاني هذا بغض النظر عن كون الحديثين قد اعتبرا من ضعاف السند‏.‏
كذلك فاتهم أن ماقد ورد علي لسان بعض الصحابة والتابعين مما يوحي بالتحرج من القول في القرآن الكريم بالرأي الاجتهادي‏,‏ انما هو من قبيل الورع‏,‏ والتأدب في الحديث عن كلام الله‏,‏ خاصة أنهم كانوا قد فطروا علي فهم اللغة العربية‏,‏ وفطنوا بها وبأسرارها‏,‏ ودرجوا علي عادات المجتمع العربي ـ وألموا بأسباب النزول‏,‏ وعايشوا رسول الله صلي الله عليه وسلم عن قرب وهو الموصول بالوحي ــ وسمعوه صلي الله عليه وسلم ــ وهو يتلو القرآن الكريم ويفسره‏,‏ واستعانوا به علي فهم ماوقفوا دونه‏,‏ وأدركوا تفاصيل سنته الشريفة في ذلك وغيره‏,‏ فهل يمكن لمن توافر له كل ذلك أن يكون له مجال للاجتهاد بالرأي؟ خاصة أن العصر لم يكن عصر تقدم علمي كالذي نعيشه‏,‏ وأنهم كانوا لايزالون قريبي عهد بالجاهلية التي كان قد خيم فيها علي شبه الجزيرة العربية‏,‏ بل وعلي العالم أجمع ركام من العقائد الفاسدة‏,‏ والتصورات الخاطئة‏,‏ والافكار السقيمة‏,‏ والأوهام والأساطير‏...‏ ولم يسلم من ذلك الركام أحد‏,‏ حتي أصحاب الحضارات البائدة‏.‏
وأن العصر كان عصر انتشار للاسلام‏,‏ ودخول للكثيرين من أصحاب العقائد واللغات الأخري في دين الله أفواجا‏,‏ ومعهم خلفياتهم الفكرية الموروثة‏,‏ والتي لم يتمكنوا من التخلص منها كلية بمجرد دخولهم في الاسلام‏,‏ وأن أعدادا غير قليلة من هؤلاء كانوا قد دخلوا الاسلام ليأتمروا به ويتآمروا عليه‏,‏ ويكيدوا له‏,‏ بتأويل القرآن علي وجوه غير صحيحة‏,‏ وبتفتيت وحدة الصف الاسلامي‏,‏ وبث بذور الفرقة فيه‏,‏ وكان من نتائج ذلك كله هذا الفكر الغريب الذي دس علي المسلمين والذي عرف فيما بعد بالاسرائيليات نسبة إلي السلالات الفاسدة من بني اسرائيل‏(‏ أي اليهود‏)‏ الذين كثر النقل عنهم‏,‏ وكثر دسهم علي دين الله‏,‏ وعلي أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله وسلم عليهم أجمعين‏),‏ وكان من نتائجه كذلك بروز الشيع والفرق والطرائق المختلفة‏,‏ ومحاولة كل فرقة منها الانتصار لرأيها بالقرآن‏...‏ وهذا هو الهوي الذي عبر عنه بالرأي فيما نسب من أقوال إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وإلي عدد من صحابته وتابعيهم‏(‏ عليهم رضوان الله أجمعين‏).‏

اللهم فقهه في الدين 

كذلك فقد فات هؤلاء‏,‏ وهم ينادون بعدم الاجتهاد بالرأي في فهم كتاب الله‏,‏ والوقوف عند حدود المأثور وهو مانقل عن رسول الله صلي الله عليه وسلم مباشرة‏,‏ أو عن صحابته الكرام‏,‏ أو عمن عاصر الصحابة من التابعين‏,‏ موكلين مالم يفسره التراث المنقول إلي الله وهو ماعرف بمنهج التفسير بالمأثور أو التفسير بالمنقول‏,‏ وكلنا يعلم أن التفسير بالمأثور لم يشمل القرآن كله‏,‏ فلحكمة يعلمها الله ــ وقد ندرك طرفا منها اليوم ــ لم يقم رسول الله صلي الله عليه وسلم بالتنصيص علي المراد في كل آية من آيات القرآن الكريم‏,‏ وأن صحابته الكرام كانوا يجتهدون في فهم مالم ينص عليه‏,‏ وكانوا يختلفون في ذلك ويتفقون‏,‏ وأن من الثابت أنه‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قد صوب رأي جماعة من أصحابه حين فسروا آيات من كتاب الله‏,‏ وانه قد دعا لابن عباس بقوله اللهم فقهه في الدين‏,‏ وعلمه التأويل‏,‏ وان ذلك وغيره من الأقوال المأثورة قد اتخذ دليلا علي جواز الاجتهاد في التفسير في غير ما حدده رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم فمما يروي عن علي‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ حين سئل‏:‏ هل خصكم رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بشيء؟ انه قال‏:‏ ما عندنا غير ما في هذه الصحيفة‏,‏ وفهم يؤتاه الرجل في كتابه وهذا يؤكد علي ان فهم المسلمين لدلالة آيات القرآن الحكيم وتدبر معانيها هي ضرورة تكليفية لكل قادر عليها مؤهل للقيام بها‏,‏ وذلك يقرره الحق تبارك وتعالي في قوله وهو أحكم القائلين‏:‏
كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب‏(‏ ص‏29)‏

وهذه الآية الكريمة‏,‏ وكثير غيرها من الآيات القريبة في المعني ـ أمر صريح من الله تبارك وتعالي بتدبر آيات القرآن الكريم وفهم معانيها‏,‏ فالقرآن ينعي علي أولئك الذين لا يتدبرونه‏,‏ ولا يستنبطون معانيه‏,‏ وهذه آياته
أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به‏,‏ ولو ردوه إلي الرسول وإلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم‏.....[‏ النساء الآيتان‏83,82].‏
أفلا يتدبرون القرآن أم علي قلوب أقفالها‏(‏ محمد الآية ـ‏24)‏

وقد ساق الامام الغزالي‏(‏ يرحمه الله‏)‏ الأدلة علي جواز فهم القرآن بالرأي‏(‏ أي بالاجتهاد‏)‏ ثم أضاف‏:‏ فهذه الأمور تدل علي أن في فهم معاني القرآن مجالا رحبا‏,‏ ومتسعا بالغا‏,‏ وأن المنقول من ظاهر التفسير ليس منتهي الادراك فيه
وبناء علي ذلك فقد أجاز الغزالي لكل انسان ان يستنبط من القرآن بقدر فهمه وحد عقله‏,‏ ولو ان المبالغة في استخدام تلك الرخصة قد أفرزت نتاجا لم يكن كله مستساغا مقبولا لدي العلماء‏,‏ مطابقا لمقاصد القرآن الكريم في الهداية‏,‏ فقد خرج قوم من المفسرين بالآيات القرآنية‏(‏ إما عن عمد واضح أو جهل فاضح‏)‏ إلي مالا يقبله العقل القويم‏,‏ والصحيح المنقول عن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وعن أصحابه والتابعين لهم‏,‏ وعن المنطق اللغوي وأساليب العرب في الأداء حقيقة ومجازا‏,‏ وذلك لانطلاق الفرق المختلفة والمذاهب المتنوعة من غير أهل السنة والجماعة‏(‏ من فقهية وكلامية‏,‏ وصوفية وباطنية‏)‏ من منطلق التعصب لمذاهبهم ومحاولاتهم إخضاع التفاسير لخدمة مللهم ونحلهم‏,‏ مما أدي إلي الموقف المتشدد من القول في القرآن بالرأي‏,‏ ومن ثم رفض تفسير الآيات الكونية الواردة في كتاب الله علي أساس من معطيات المعارف الانسانية المكتسبة في حقل العلوم البحتة والتطبيقية‏.‏

الدعوة إلي الاجتهاد في التفسير

هناك أعداد كبيرة من علماء المسلمين الذين اقتنعوا بضرورة الاجتهاد في تفسير كتاب الله‏,‏ ولكنهم حصروا ذلك في مناهج محددة منها المنهج اللغوي الذي يهتم بدلالة الالفاظ‏,‏ وطرائق التعبير وأساليبه والدراسات النحوية المختلفة‏,‏ والمنهج البياني الذي يحرص علي بيان مواطن الجمال في أسلوب القرآن‏,‏ ودراسة الحس اللغوي في كلماته‏,‏ والمنهج الفقهي الذي يركز علي استنباط الاحكام الشرعية والاجتهادات الفقهية‏,‏ كما أن من هؤلاء المفسرين من نادي بالجمع بين تلك المناهج في منهج واحد عرف باسم المنهج الموسوعي‏(‏ أو المنهج الجمعي‏),‏ ومنهم من نادي بتفسير القرآن الكريم حسب الموضوعات التي اشتمل عليها‏,‏ وذلك بجمع الآيات الواردة في الموضوع الواحد في كل سور القرآن‏,‏ وتفسير واستنباط دلالاتها استنادا الي قاعدة أن القرآن يفسر بعضه بعضا‏,‏ وقد عرف ذلك باسم المنهج الموضوعي في التفسير‏.‏

من مبررات رفض المنهج العلمي للتفسير

اما المنهج العلمي في التفسير والذي يعتمد علي تفسير الاشارات الكونية الواردة في كتاب الله تعالي حسب اتساع دائرة المعرفة الانسانية من عصر الي عصر وتبعا للطبيعة التراكمية لتلك المعرفة فقد ظل مرفوضا من غالبية المجتهدين في التفسير وذلك لأسباب كثيرة منها‏:‏

‏(1)‏ أن الإسرائيليات كانت قد نفذت أول ما نفذت إلي التراث الإسلامي عن طريق محاولة السابقين تفسير تلك الاشارات الكونية الواردة في كتاب الله‏,‏ وذلك لأن الله تعالي قد شاء أن يوكل الناس في أمور الكشف عن حقائق هذا الكون إلي جهودهم المتتالية جيلا بعد جيل‏,‏ وعصرا بعد عصر‏...,‏ ومن هنا جاءت الاشارات الكونية في القرآن الكريم بصيغة مجملة‏,‏ يفهم منها أهل كل عصر معني من المعاني‏,‏ وتظل تلك المعاني تتسع باستمرار في تكامل لا يعرف التضاد‏,‏ ومن هنا أيضا لم يقم رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بالتنصيص علي المراد منها في أحاديثه الشريفة‏,‏ التي تناول بها شرح القرآن الكريم‏,‏ ولكن لما كانت النفس البشرية تواقة دوما إلي التعرف علي أسرار هذا الوجود‏,‏ ولما كان الانسان قد شغل منذ القدم بتساؤلات كثيرة عن نشأة الكون‏,‏ وبداية الحياة‏,‏ وخلق الإنسان ومتي حدث كل ذلك‏,‏ وكيف تم‏,‏ وما هي أسبابه؟‏,‏ وغير ذلك من أسرار الوجود‏..,‏ فقد تجمع لدي البشرية في ذلك تراث ضخم‏,‏ عبر التاريخ اختلط فيه الحق بالباطل‏,‏ والواقع بالخيال‏,‏ والعلم بالدجل والخرافة‏,‏ وكان أكثر الناس حرصا علي هذا النوع من المعرفة المكتسبة هم رجال الدين في مختلف العصور‏,‏ وقد كانت الدولة الاسلامية في أول نشأتها محاطة بحضارات عديدة تباينت فيها تلك المعارف وأمثالها ثم بعد اتساع رقعة الدولة الاسلامية واحتوائها لتلك الحضارات المجاورة‏,‏ ودخول أمم من مختلف المعتقدات السابقة علي بعثة المصطفي ـ صلي الله عليه وسلم ـ الي دين الله‏..‏ ووصول هذا التراث إلي قيامهم علي ترجمته ونقده والاضافة اليه‏.‏ حاول بعض المفسرين الاستفادة به في شرح الاشارات الكونية الواردة بالقرآن الكريم فضلوا سواء السبيل لأن العصر لم يكن بعصر تطور علمي كالذي نعيشه اليوم‏,‏ ولأن هذا التراث كان أغلبه في أيدي اليهود‏,‏ وهم الذين ائتمروا علي الكيد للاسلام منذ بزوغ فجره‏,‏ وأن النقل قد تم عمن اسلم ومن لم يسلم منهم‏,‏ علي الرغم من تحذير رسول الله صلي الله عليه وسلم بقوله‏:‏ إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولاتكذبوهم‏,‏ فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه‏,‏ وأما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه‏.‏

ويفسر ابن خلدون أسباب نقل هذه الاسرائيليات بقوله‏:‏ والسبب في ذلك أن العرب لم يكونوا أهل كتاب‏,‏ ولاعلم‏,‏ وإنما غلبت عليهم البداوة والأمية‏,‏ واذا تشوقوا الي معرفة شيء مما تتشوق اليه النفوس البشرية‏:‏ في أسباب المكونات‏,‏ وبدء الخليقة‏,‏ وأسرار الوجود‏,‏ فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم‏,‏ ويستفيدون منهم‏,‏ وهم أهل التوراة من اليهود‏,‏ ومن تبع دينهم من النصاري‏,‏ وأهل التوارة الذين بين العرب يومئذ وهم بادية مثلهم ولايعرفون من ذلك إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب‏,‏ ومعظمهم من حمير الذين أخذوا بدين اليهودية‏,‏ فلما أسلموا بقوا علي ما كان عندهم مما لاتعلق له بالأحكام الشرعية التي يحتاطون لها‏...‏
‏2‏ ــ أن القرآن الكريم هو في الأصل كتاب هداية ربانية‏,‏ أي كتاب عقيدة وعبادة وأخلاق ومعاملات‏,‏ بمعني آخر هو كتاب دين الله الذي أوحي به الي سائر انبيائه ورسله وتعهد الله تعالي بحفظه فحفظ‏,‏ فعلي ذلك لابد من التأكيد أن القرآن الكريم ليس كتاب علم تجريبي‏,‏ وأن الاشارات العلمية التي وردت به جاءت في مقام الارشاد والموعظة لا في مقام البيان العلمي بمفهومه المحدد‏,‏ وأن تلك الاشارات ــ علي كثرتها ــ جاءت في أغلب الاحيان مجملة‏,‏ وذلك بهدف توجيه الانسان الي التفكير والتدبر وامعان النظر في خلق الله‏,‏ لابهدف الإخبار العلمي المباشر‏.‏
‏3‏ ــ أن القرآن الكريم ثابت لايتغير بينما معطيات العلوم التجريبية دائمة التغير والتطور وان ما تسمي بحقائق العلم ليست سوي نظريات وفروض يبطل منها اليوم ما كان سائدا بالامس‏,‏ وربما في الغد ماهو سائد اليوم وبالتأكيد فلا يجوز الرجوع إليها عند تفسير كتاب الله العزيز لانه لايجوز تأويل الثابت بالمتغير‏.‏
‏4‏ ـ ان القرآن الكريم هو بيان من الله‏,‏ بينما معطيات العلوم التجريبية لاتعدو ان تكون محاولة بشرية للوصول الي الحقيقة‏,‏ ولايجوز ــ في ظنهم ـ رؤية كلام الله في اطار محاولات البشر‏,‏ كما لايجوز الانتصار لكتاب الله تعالي بمعطيات العلوم المكتسبة لأن القرآن الكريم بصفته كلام الله هو حجة علي البشر كافة‏,‏ وعلي العلم واهله‏.‏

‏5‏ ــ أن العلوم التجريبية تصاغ في أغلب دول العالم اليوم صياغة تنطلق كلها من منطلقات مادية بحت‏,‏ تفكر أو تتجاهل الغيب‏,‏ ولا تؤمن بالله‏,‏ وأن للكثيرين من المشتغلين بالعلوم الكونية‏(‏ البحت والتطبيقية‏)‏ مواقف عدائية واضحة من قضية الايمان بالله تعالي وبملائكته وكتبه ورسله‏,‏ وبالقدر خيره وشره‏,‏ وبحياة البرزخ وبالبعث والنشور والحساب وبالحياة الخالدة في الدار الآخرة إما في الجنة أبدا أو في النا ر ابدا‏.‏
‏6‏ ــ أن بعض معطيات العلوم التجريبية قد يتباين مع عدد من الأصول الثابتة في الكتاب والسنة نظرا لصياغتها من منطلقات مادية بحت منكرة لكل حقائق الغيب أو متجاهلة لها‏.‏
‏7‏ ـ أن عددا من المفسرين الذين تعرضوا لتأويل بعض الاشارات الكونية الواردة في كتاب الله قد تكلفوا في تحميل الآيات من المعاني مالا تحمله في تعسف واضح وتكلف مفتعل علي أعناق الكلمات والآيات وتحميلها من المعاني مالا تحمله‏.‏

الرد علي الرافضين للمنهج العلمي في التفسير

ان حجج المعارضين للمنهج العلمي للتفسير والتي أوردناها في الفقرات السابقة هي كلها حجج مردودة حجة بحجة كما يلي‏:‏
‏1‏ ــ انه لاحاجة بنا اليوم الي الاسرائيليات في تفسير آيات الكونيات‏,‏ لأن الرصيد العلمي في مختلف تلك المعارف قد بلغ اليوم شأوا لم يبلغه من قبل‏,‏ واذا كان من استخدم الاسرائيليات في تفسيره من الأوائل قد ضل سواء السبيل‏,‏ فان من يستخدم حقائق العلم الثابتة‏,‏ ومشاهداته المتكررة في شرح تلك الآيات لابد أن يصل الي فهم لها لم يكن من السهل الوصول اليه من قبل‏,‏ وأن يجد في ذلك من صور الاعجاز مالم يجده السابقون‏,‏ تأكيدا لوصف رسول الله صلي الله عليه وسلم للقرآن بأنه لاتنقضي عجائبه ولايخلق من كثرة الرد‏.‏
‏3‏ ــ انه لاتعارض البتة بين كون القرآن الكريم كتاب هداية ربانية‏,‏ وارشادا إلهيا ودستور عقيدة وعبادة واخلاقا ومعاملات وكتاب تشريع سماوي يشمل نظاما كاملا للحياة‏,‏ وبين احتوائه علي عدد من الاشارات العلمية الدقيقة التي وردت في مقام الاستدلال علي عظمة الخالق وقدرته في إبداعه للخلق‏,‏ وقدرته علي افناء ما قد خلق‏,‏ وإعادة كل ذلك من جديد‏,‏ وذلك لأن الاشارات تبقي بيانا من الله‏,‏ خالق الكون ومبدع الوجود‏,‏ فلابد وأن تكون حقا مطلقا‏,‏ لأنه من أدري بالخليقة من الخالق سبحانه وتعالي‏)‏ ولو أن المسلمين وعووا هذه الحقيقة منذ القدم لكان لهم في مجال الدراسات الكونية سبق ملحوظ‏,‏ وثبات غير ملحوق فنحن ندرك اليوم ــ وفي ضوء ماتجمع لنا من معارف في مجال دراسات العلوم البحتة والتطبيقية ــ أن آيات الكونيات في كتاب الله تتسم جميعها بالدقة المتناهية في التعبير والشمول في المعني‏,‏ والاطراد والثبات في الدلالة والسبق لكثير من الكشوف العلمية بعشرات المئات من السنين وفي ذلك شهادة قاطعة لايستطيع ان ينكرها جاحد بأن القرآن لايمكن أن يكون إلا كلام الله الخالق‏.‏

أما القول بأن تلك الاشارات قد تم سردها بصورة مجملة‏,‏ فانها بحق احدي صور الاعجاز العلمي والبياني في القران الكريم‏,‏ وذلك لأن كل اشارة علمية وردت فيه قد صيغت صياغة فيها من اعجاز الايجاز والدقة في التعبير والاحكام في الدلالة‏,‏ والشمول في المعني ما يمكن الناس علي اختلاف ثقافاتهم وتباين مستويات ادراكهم وتتابع اجيالهم وأزمانهم ان يدركوا لها من المعاني مايتناسب وهذه الخلفيات كلها‏,‏ بحيث تبقي المعاني المستخلصة من الآية الواحدة يكمل بعضها بعضا في تناسق عجيب‏..‏ وتكامل أعجب لانه تكامل لايعرف التضاد وهذا عندي من أروع صور الاعجاز في كتاب الله فالاجمال في تلك الاشارات مع وضوح الحقيقة العلمية للاجيال المتلاحقة‏,‏ كل علي قدر حظه من المعرفة بالكون وعلومه هي بالقطع امر فوق طاقة البشر وصورة من صور الاعجاز لم تتوافر ولايمكن ان تتوافر لغير كلام الله الخالق‏,‏ ومن هنا كان فهم الناس للاشارات العلمية الواردة بالقرآن الكريم علي ضوء مايتجمع لديهم من معارف‏,‏ فهما يزداد اتساعا وعمقا جيلا بعد جيل‏,‏ وهذا في حد ذاته شهادة للقرآن الكريم بأنه لاتنتهي عجائبه‏,‏ ولايبلي علي كثرة الرد كما وصفه المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏
وقد أدرك نفر من السابقين ذلك وفي مقدمتهم الامام المزركشي الذي كتب في كتابه البرهان في علوم القرآن مانصه‏..‏ وما من برهان ودلالة وتقسيم‏,‏ وتحديد شيء من كليات المعلومات العقلية والسمعية إلا وكتاب الله تعالي قد نطق به‏,‏ لكن أورده تعالي علي عادة العرب دون دقائق طرق أحكام المتكلمين لأمرين‏:‏ أحدهما بسبب ماقاله سبحانه وتعالي‏:‏
وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم‏[‏ سورة ابراهيم‏:4]‏

والثاني أن المائل إلي دقيق المحاجة هو العاجز عن إقامة الحجة بالجليل من الكلام‏,‏ فان استطاع أن يفهم بالأوضح الذي يفمهه الأكثرون لم يتخط إلي الأغمض الذي لايعرفه إلا الأقلون‏,‏ وكذلك أخرج تعالي مخاطباته في محاجة خلقه من أجل صورة تشتمل علي أدق دقيق لتفهم العامة من جليلها مايقنعهم الحجة‏,‏ وتفهم الخواص من أينائها مايوفي علي ما أدركه الخطباء‏....‏
ثم يضيف‏:‏ ومن ثم كان علي كل من أصاب حظا في العلم أوفر أن يكون نصيبه من علم القرآن أكثر‏,‏ لأن عقله حينئذ يكون قد استنار بأضواء العلم‏,‏ وهؤلاء الذين اهتم القرآن بمناداتهم كلما ذكر حجة علي الربوبية والوحدانية‏,‏ أو أضاف اليهم أولو الألباب والسامعون والمفكرون والمتذكرون تنبيها إلي أن بكل قوة من هذه القوي يمكن ادراك حقيقة منها‏.‏
من هنا كان واجب المتخصصين من المسلمين في كل عصر وفي كل جيل أن ينفر منهم من يستطيع أن يجمع إلي حقل تخصصه الماما بحد أدني من علوم اللغة العربية وآدابها‏,‏ ومن الحديث وعلومه‏,‏ والفقه وأصوله‏,‏ وعلم الكلام وقواعده‏,‏ واحاطة بأسباب النزول‏,‏ وبالمأثور في التفسير‏,‏ وباجتهاد السابقين من آئمة المفسرين‏,‏ ثم يعود هؤلاء إلي دراسة الاشارات الكونية الواردة في كتاب الله ـ كل فيما يخصه ـ محاولين فهمها في ضوء معطيات العلم وكشوفه‏,‏ وقواعد المنطق وأصوله حتي يدركوا ما يستطيعون من فهم لكتاب الله حتي تتحقق نبوءة المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في وصفه لكتاب الله أنه لاتنتهي عجائبه‏..‏

‏(3)‏ ان القول بعدم جواز تأويل الثابت بالمتغير قول ساذج‏,‏ لأن معناه الجمود علي فهم واحد لكتاب الله‏,‏ ينأي بالناس عن واقعهم في كل عصر‏,‏ حتي لايستسيغوه فيملوه ويهملوه‏,‏ وثبات القرآن الكريم‏..‏ وهو من السمات البارزة له لايمنع من فهم الاشارات الكونية الواردة فيه علي أساس من معطيات العلوم الكونية البحتة منها والتطبيقية‏,‏ حتي ولو كان ذلك يتسع من عصر إلي آخر بطريقة مطردة‏,‏ فالعلوم المكتسبة كلها لها طبيعة تراكمية‏,‏ ولا يتوافر للانسان منها في عصر من العصور إلا أقدار تتفاوت بتفاوت الأزمنة‏,‏ وتباين العصور‏,‏ تقدما واضمحلالا‏,‏ وهذه الطبيعة التراكمية للمعرفة الانسانية المكتسبة تجعل الأمم اللاحقة أكثر علما ـ بصفة عامة ـ من الأمم السابقة‏,‏ إلا إذا تعرضت الحضارة الانسانية بأكملها للانتكاس والتدهور‏.‏
من هنا كانت معطيات العلوم الكونية ـ بصفة خاصة‏,‏ والمعارف المكتسبة كلها بصفة عامة ـ دائمة التغير والتطور‏,‏ بينما كلمات وحروف ـ القرآن الكريم ثابتة لاتتغير‏,‏ وهذا وحده من أعظم شواهد الإعجاز في كتاب الله‏.‏
وعلي الرغم من ثبات اللفظ القرآني‏,‏ وتطور الفهم البشري لدلالاته ـ مع اتساع دائرة المعرفة الانسانية جيلا بعد جيل ـ فإن تلك الدلالات يتكامل بعضها مع بعض في اتساق لايعرف التضاد‏,‏ ولايتوافر ذلك لغير كلام الله‏,‏ إلا إذا كان المفسر لايأخذ بالأسباب‏,‏ أو يسيء استخدام الوسائل فيضل الطريق‏....!!‏ ويظل اللفظ القرآني ثابتا‏,‏ وتتوسع دائرة فهم الناس له عصرا بعد عصر‏..‏ وفي ذلك شهادة للقرآن الكريم بأنه يغاير كافة كلام البشر‏,‏ وأنه بالقطع بيان من الله‏....‏ ولذلك فاننا نجد القرآن الكريم يحض الناس حضا علي تدبر أياته‏,‏ والعكوف علي فهم دلالاتها‏,‏ ويتحدي أهل الكفر والشرك والإلحاد أن يجدوا فيه صورة واحدة من صور الاختلاف أو التناقض علي توالي العصور عليه‏,‏ وكثرة النظر فيه‏,‏ وصدق الله العظيم إذ يقول‏:‏
أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا‏.‏
‏[‏ النساء‏82]‏

واذ يكرر التساؤل التقريعي في سورة الرحمن إحدي وثلاثين مرة فبأي آلاء ربكما تكذبان‏,‏ ويؤكد ضرورة تدبر القرآن وانه تعالي قد جعله في متناول عقل الإنسان فيذكر ذلك أربع مرات في سورة القمر حيث يصدع التنزيل بقول الحق‏:(‏ تبارك وتعالي‏)‏
ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر
‏[‏ القمر‏:‏ الايات‏17‏ و‏22‏ و‏32‏ و‏40]‏
والذكر هنا ـ كما يجمع المفسرون ـ يشمل التلاوة والتدبر معا‏,‏ ويشير إلي استمرار تلك العملية مع تبادل العصور وتجدد الأزمان‏,‏ ومن هنا يبقي النص القرآني ثابتا ويتجدد‏,‏ فهم الناس له كلما اتسعت دائرة معارفهم ونمت حصيلتهم العلمية‏,‏ وذلك بالقطع ـ فيما لم يرد في شرحه شيء من المأثور الموثق‏,‏ وليس في ذلك مقابلة بين كلام الله وكلام الناس ـ كما يدعي البعض ولكنه المحاولة الجادة لفهم كلام الله وهو الذي أنزله الله تعالي للبشر لكي يفهموه ويتعظوا بدروسه‏,‏ وفهمه في نفس الوقت هو صورة من صور الاعجاز في كتاب الله‏,‏ لاينكرها إلا جاحد‏.‏
أما القول بأن مايسمي بحقائق العلم ليس إلا نظريات وفروضا‏,‏ يبطل منها اليوم ما كان سائدا بالأمس‏,‏ وربما يبطل في الغد ماهو سائد اليوم فهو أيضا قول ـ ساذج لأن هناك فروقا واضحة بين الفروض والنظريات من جهة والقواعد والقوانين من جهة أخري‏,‏ وهي مراحل متتابعة في منهج العلوم التجريبية الذي يبدأ بالفروض ثم النظريات وينتهي بالقواعد والقوانين‏,‏ والفروض هي تفسيرات أولية للظواهر الكونية‏,‏ والنظريات هي صياغة عامة لتفسير كيفية حدوث تلك الظواهر ومسبباتها‏,‏ أما الحقائق الكونية فهي مايثبت ثبوتا قاطعا في علم الإنسان بالأدلة المنطقية المقبولة وهي جزء من الحكمة التي نحن أولي الناس بها‏,‏ وكذلك القوانين العلمية فهي تعبيرات بشرية عن السنن الإلهية في الكون‏,‏ تصف علاقات محددة تربط بين عناصر الظاهرة الواحدة‏,‏ أو بين عدد من الظواهر الكونية المختلفة‏,‏ وهي كذلك جزء من الحكمة التي أمرنا بأن نجعلها ضالة المؤمن‏.‏ 

Thursday, February 17, 2011

أسماء الله الحسنى - الحكم

الحكم
هو الحاكم الذى لامرد لقضائه ، ولامعقب لحكمه ، حيث وصف نفسه بأنه أحكم الحاكمين وهو الذي يحكم ويفصل بين مخلوقاته والمميز بين الشقى والسعيد بالعقاب والثواب ولا يقع في وعده ريب 
قال الله تعالى
( له الحكم واليه ترجعون ) القصص 88
( واصبر حتى يحكم الله وهوخير الحاكمين ) يونس 109
( أفغير الله أبتغى حكما وهو الذى أنزل اليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق ) الأنعام 114
( ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين )

الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها‏...‏

 

الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها‏...‏
بقلم الدكتور‏:‏ زغـلول النجـار

يستهل ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ سورة الرعد بقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏ المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لايؤمنون‏.‏ الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوي علي العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون
‏[‏الرعد‏:1‏ و‏2]‏
وفي هاتين الآيتين الكريمتين يؤكد ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ أن الوحي بالقرآن الكريم إلي خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ هو الحق المطلق‏,‏ المنزل من الله‏(‏ تعالي‏),‏ والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه‏,‏ وإن كان أكثر الناس لايؤمنون به‏.‏
والإيمان بالوحي من ركائز الإيمان بالله‏,‏ ودعائم الإسلام‏(‏ أي التسليم له تعالي بالطاعة في العبادة‏)‏ لأن الذي يؤمن بأن الوحي هو كلام الله الخالق يسلم بمحتوي هذا الوحي من أمور الغيب وضوابط السلوك من مثل قواعد العقيدة‏,‏ وتفاصيل العبادة‏,‏ ودستور الأخلاق وفقه المعاملات‏,‏ ومايصاحب ذلك من قصص الأمم السابقة‏(‏ الذي جاء للعظة والاعتبار‏),‏ وخطاب للنفس الإنسانية من خالقها وبارئها يهزها من الأعماق هزا‏,‏ ويرقي بها إلي معارج الله العليا‏...!!‏ وأول أسس العقيدة الصحيحة هو التوحيد الخالص لله تعالي بغير شريك ولاشبيه ولامنازع‏,‏ والإيمان بما أنزل من غيب‏[‏ الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله‏(‏ بغير تفريق ولاتمييز‏),‏ وبالقدر خيره وشره‏(‏ بكل الرضي والتسليم‏),‏ وبالبعث والحساب والجنة والنار‏,‏ وبالخلود في حياة قادمة‏(‏ بغير أدني شك أو ريبة‏].‏
وهذا الإيمان الصحيح يستتبع الخضوع الكامل لله‏(‏ تعالي‏)‏ بالعبادة والطاعة‏,‏ وحسن القيام بواجب الاستخلاف في الأرض في غير استعلاء ولاتجبر‏,‏ والسعي الحثيث لإقامة عدل الله‏(‏ تعالي‏)‏ فيها‏,‏ وكل ذلك من صميم رسالة الإنسان في هذه الحياة‏,‏ ومن ضرورات تحقيق النجاح فيها‏:‏
والقرآن الكريم الذي أوحاه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ إلي خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وتعهد بحفظه كلمة كلمة‏,‏ وحرفا حرفا‏,‏ فحفظ علي مدي أربعة عشر قرنا أو يزيد‏,‏ وإلي أن يرث الله‏(‏ تعالي‏)‏ الأرض ومن عليها يستدل علي صفائه الرباني‏,‏ وعلي وحدانية الخالق العظيم‏,‏ وطلاقة قدرته‏,‏ وكمال علمه وحكمته بآياته الكريمة ذاتها‏,‏ ومالها من جمال‏,‏ وكمال‏,‏ وصدق‏,‏ كما يستدل علي ذلك أيضا بعدد من آيات الله الكونية الكبري وفي مقدمتها رفع السماوات بغير عمد يراها الناس‏...!!!‏ وهو من الأمور الظاهرة للعيان‏,‏ والشاهدة علي أن للكون إلها خالقا‏,‏ قادرا‏,‏ حكيما‏,‏ عليما‏,‏ أبدع هذا الكون بعلمه‏,‏ وحكمته وقدرته‏,‏ وهو قادر علي إفنائه‏,‏ وعلي إعادة خلقه من جديد‏.‏
وعلي الرغم من ذلك فإن أكثر الناس غافلون عن كل هذه الحقائق‏,‏ ومضيعون أعمارهم في شقاق‏,‏ ونفاق‏,‏ وعناد‏,‏ من أجل الخروج علي منهج الله‏,‏ واتباع الشهوات المحرمة‏,‏ والمتع الخاطئة المدمرة‏,‏ والاستعلاء الكاذب في الأرض‏,‏ والولوغ في الظلم‏,‏ وإفساد الحياة‏..!!!‏
وأغلب المنكرين لدين الله الحق الذي جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏)‏ ينطلقون من غفلتهم هذه لينكروا البعث‏,‏ والحساب‏,‏ والجنة‏,‏ والنار‏,‏ والخلود في حياة قادمة انطلاقا من كفرهم بالله الخالق‏,‏ وبملائكته‏,‏ وكتبه‏,‏ ورسله‏,‏ ولايجدون في رفع السماء بغير عمد يرونها آية من الآيات المادية الملموسة التي نشهد له‏(‏ تعالي‏)‏ بطلاقة القدرة‏,‏ وكمال الحكمة‏,‏ ودقة التدبير‏..!!!‏
وتستمر الآيات القرآنية في نفس السورة باستعراض عدد غير قليل من آيات الله في الكون لعلها توقظ أصحاب العقول الغافلة‏,‏ والضمائر الميتة إن كانت لديهم بقية من القدرة علي التفكير السليم‏,‏ أو التعقل الراجح‏.‏ فإن أصروا علي كفرهم بالله‏,‏ وإنكارهم لرسالته الخاتمة‏,‏ وماتضمنته من أمور غيبية‏,‏ وفي مقدمتها قضية البعث‏,‏ فليس من جزاء لهم أقل من الخلود في النار‏,‏ والاغلال في أعناقهم‏,‏ إمعانا في إذلالهم جزاء كفرهم وإنكارهم لآيات الله الخالق المقروءة في رسالته الخاتمة والمنظورة في كونه البديع‏..!!!‏
ورفع السماوات بغير عمد يراها الناس مع ضخامة أبعادها‏,‏ وتعاظم أجرامها عددا وحجما وكتلة‏,‏ هو من أوضح الأدلة علي أن هذا الكون الشاسع الاتساع‏,‏ الدقيق البناء‏,‏ المحكم الحركة والمنضبط في كل أمر من أموره لايمكن أن يكون نتاج المصادفة المحضة‏,‏ أو أن يكون قد أوجد نفسه بنفسه‏,‏ بل لابد له من موجد عظيم له من صفات الكمال والجمال والجلال والقدرة مايغاير صفات خلقه قاطبة‏:‏
ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
‏[‏الشوري‏:11]‏
من أجل ذلك يؤكد القرآن الكريم حقيقة رفع السماوات بغير عمد يراها الناس‏,‏ وإبقاءها سقفا مرفوعا‏,‏ وحفظها من الوقوع علي الأرض ومن الزوال إلا بإذن الله‏,‏ وذلك في عدد من آيات أخري من كتابه العزيز يقول فيها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
‏[1]‏ خلق السماوات بغير عمد ترونها‏..‏
‏(‏لقمان‏:10)‏
‏[2]‏ وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون‏.‏
‏(‏الأنبياء‏:32)‏
‏[3]‏ ويمسك السماء أن تقع علي الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم
‏(‏الحج‏:65)‏
‏[4]‏ ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره‏.‏
‏(‏الروم‏:25)‏
‏[5]‏ إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا
‏(‏فاطر‏:41)‏
‏[6]‏ والسقف المرفوع
‏(‏الطور‏:5)‏
‏[7]‏ والسماء رفعها ووضع الميزان
‏(‏ الرحمن‏:7)‏
‏[8]‏ ءأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها
‏(‏النازعات‏:28,27)‏
‏[9]‏ أفلا ينظرون إلي الابل كيف خلقت وإلي السماء كيف رفعت
‏(‏ الغاشية‏:18,17)‏
‏[10]‏ والسماء ومابناها
‏(‏الشمس‏:5)‏
فكيف رفعت السماوات بغير عمد يراها الناس؟ وهل معني الآية الكريمة ان السماء لها عمد غير مرئية أم ليس لها عمد علي الإطلاق؟ هذا ماسوف نفصله في السطور التالية بإذن الله‏(‏ تعالي‏)‏ وقبل الدخول في ذلك لابد لنا من شرح لفظ‏(‏ عمد‏)‏ في اللغة العربية وفي القرآن الكريم‏.‏
لفظة‏(‏ العمد‏)‏ في اللغة العربية 

ثبات كواكب المجموعة الشمسية بالتعادل بين قوة الجاذبية والقوة الطاردة المركزية 
يقال‏:(‏ عمد‏)‏ للشيء بمعني قصد له أي‏(‏ تعمده‏),‏ و‏(‏العمد‏)‏ و‏(‏التعمد‏)‏ هو قصد الشيء بالنية وهو ضد كل من السهو والخطأ‏,‏ و‏(‏العمد‏)‏ علي الشيء الاستناد إليه‏,‏ ويقال‏:(‏ عمد‏)‏ الشيء‏(‏ فانعمد‏)‏ أي أقامه‏(‏ بعماد‏)(‏ يعتمد‏)‏ عليه‏,‏ و‏(‏عمدت‏)‏ الشيء إذا أسندته‏,‏ و‏(‏عمدت‏)‏ الحائط مثله‏,‏ و‏(‏العمود‏)‏ ماتقام أو تعتمد عليه الخيمة من خشب أو نحوه ويعرف باسم‏(‏ عمود البيت‏),‏ وجمعه في القلة‏(‏ أعمدة‏),‏ وفي الكثرة‏(‏ عمد‏)‏ بفتحتين و‏(‏عمد‏)‏ بضمتين‏,‏ و‏(‏عمود‏)‏ القوم و‏(‏عميدهم‏)‏ السيد الذي‏(‏ يعمده‏)‏ الناس‏,‏ و‏(‏العمدة‏)‏ بالضم ما‏(‏ يعتمد‏)‏ عليه وجمعه‏(‏ عمد‏),‏ و‏(‏العماد‏)‏ بالكسر ما‏(‏ يعتمد‏)‏ أو هو الأبنية الرفيعة‏(‏ تذكر وتؤنت‏)‏ والواحدة‏(‏ عمادة‏)‏ ويقال‏:(‏ اعتمد‏)‏ علي الشيء بمعني اتكأ عليه‏,‏ و‏(‏اعتمد‏)‏ عليه في كذا اتكل عليه‏,‏ وفلان رفيع‏(‏ العماد‏)‏ أي هو رفيع عند الاعتماد عليه‏,‏ ويقال‏:‏ سطع‏(‏ عمود‏)‏ الصبح أي ابتدأ طلوع نوره تشبيها‏(‏ للعمود‏)‏ والقلب‏(‏ العميد‏)‏ الذي يعمده الحزن‏,‏ والجسد‏(‏ العميد‏)‏ الذي يعمده السقم‏,‏ وقد‏(‏ عمد‏)‏ توجع من حزن أو غضب أو سقم‏,‏ و‏(‏عمد‏)‏ البعير توجع من عقر ظهره‏.‏
لفظة‏(‏ العمد‏)‏ في القرآن الكريم
وردت لفظة‏(‏ عمد‏)‏ في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع علي النحو التالي‏:‏
‏[1]‏ الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها
‏(‏الرعد‏:2)‏
‏[2]‏ خلق السماوات بغير عمد ترونها‏..‏
‏(‏لقمان‏:10)‏
‏[3]‏ نار الله الموقدة‏.‏ التي تطلع علي الأفئدة‏.‏ إنها عليهم مؤصدة‏.‏ في عمد ممدة
‏(‏الهمزة‏:6‏ ــ‏9)‏
ووردت لفظة‏(‏ عماد‏)‏ في موضع واحد يقول فيه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
ألم تر كيف فعل ربك بعاد‏.‏ إرم ذات العماد‏.‏ التي لم يخلق مثلها في البلاد‏.‏
‏(‏الفجر‏:6‏ ـ‏8)‏
وجاء الفعل‏(‏ تعمد‏)‏ ومشتقاتها في كتاب الله الكريم في ثلاثة مواضع علي النحو التالي‏:‏
‏[1]‏ وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ماتعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما
‏(‏الأحزاب‏:5)‏
‏[2]‏ ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما
‏(‏النساء‏:93)‏
‏[3]‏ ومن قتله منكم متعمدا‏..‏
‏(‏المائدة‏:95)‏
آراء المفسرين
تعددت آراء المفسرين في شرح قوله‏(‏ تعالي‏):‏
الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها‏..(‏ الرعد‏:2)‏
وقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏
خلق السماوات بغير عمد ترونها‏..‏
‏(‏لقمان‏:10)‏
فقال ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏):‏ السماء علي الأرض مثل القبة‏,‏ يعني بلا عمد‏,‏ وهذا هو اللائق بالسياق‏,‏ والظاهر من قوله تعالي‏(‏ ويمسك السماء أن تقع علي الأرض إلا بإذنه‏)‏ فعلي ذلك يكون قوله‏:(‏ ترونها‏)‏ تأكيدا لنفي ذلك‏,‏ أي هي مرفوعة بغير عمد كما ترونها‏,‏ وهذا هو الأكمل في القدرة‏.‏
كذلك روي ابن كثير عن ابن عباس‏(‏ رضي الله عنهما‏)‏ وعن كل من مجاهد والحسن‏(‏ عليهما رضوان الله‏)‏ أنهم قالوا‏:‏ لها عمد ولكن لاتري‏,‏ فتكون‏(‏ ترونها‏)‏ صفة‏(‏ عمد‏)‏ أي بغير عمد مرئية‏(‏ أبو بعمد غير مرئية‏),‏ وأضاف أن هذا التأويل خلاف الظاهر المتبادر ولذلك ضعفه ابن كثير‏.‏
وذكر صاحبا تفسير الجلالين‏(‏ يرحمهما الله‏):‏ أن‏(‏ العمد‏)‏ جمع‏(‏ عماد‏)‏ وهو الاسطوانة‏[‏ أي أن العمد موجودة ولكنكم لاترونها‏],‏ وهو صادق أن لا عمد أصلا‏.‏
وفي تعليقه علي هذا التفسير ذكر كنعان‏(‏ أمد الله في عمره‏):‏ قوله‏:‏ وهو صادق بأن لاعمد لها أصلا هو إشارة إلي الوجه الثاني علي القول بأن‏(‏ ترونها‏)‏ صفة لــ‏(‏ عمد‏),‏ والضمير عائد إليها والمعني‏:‏ رفعها خالية عن عمد مرئية‏,‏ وانتفاء العمد المرئية يحتمل انتفاء الرؤية فقط أي‏:‏ لها عمد ولكنها غير مرئية‏,‏ ويحتمل انتفاء العمد والرؤية جميعا أي‏:‏ لاعمد أصلا كما ذكر الجلال السيوطي‏(‏ يرحمه الله‏),‏ وفي قول آخر‏:(‏ ترونها‏)‏ مستأنفة‏,‏ وضميرها يعود لــ‏(‏ السماوات‏),‏ والمعني‏:‏ رفعها بلا عمد أصلا وأنتم ترونها كذلك‏..‏
وذكر محمد عبده‏(‏ رحمه الله‏)‏ في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏ والسماء ومابناها مانصه‏:‏ السماء اسم لما علاك وارتفع فوق رأسك وأنت إنما تتصور عند سماعك لفظ السماء هذا الكون الذي فوقك فيه الشمس والقمر وسائر الكواكب تجري في مجاريها‏,‏ وتتحرك في مداراتها‏,‏ هذا هو السماء‏.‏ وقد بناه الله أي رفعه وجعل كل كوكب من الكواكب منه بمنزلة لبنة من بناء سقف أو قبة أو جدران تحيط بك‏,‏ وشد هذه الكواكب بعضها إلي بعض برباط الجاذبية العامة‏,‏ كما تربط أجزاء البناء الواحد بما يوضع بينها مما تتماسك به‏.‏
وقال صاحب الظلال‏(‏ يرحمه الله‏):‏ والسماوات ــ أيا كان مدلولها‏,‏ وأيا كان مايدركه الناس من لفظها في شتي العصور ــ معروضة علي أنظار‏,‏ هائلة ــ ولاشك ــ حين يخلو الناس إلي تأملها لحظة‏,‏ وهي هكذا لاتستند إلي شيء‏,‏ مرفوعة‏(‏ بغير عمد‏)‏ مكشوفة‏(‏ ترونها‏)..‏ ما من أحد يقدر علي رفعها بلا عمد ــ أو حتي بعمد ــ إلا الله‏..‏
وذكر الغمراوي‏(‏ يرحمه الله‏)‏ واعجب معي من إعجاز الأسلوب والمعني معا في قوله تعالي‏:(‏ بغير عمد ترونها‏)‏ في كل من خلق السماء ورفعها‏.‏ فلو قيل‏(‏ بغير عمد‏)‏ فحسب لكان ذلك نفيا مطلقا للعمد‏,‏ مرئية وغير مرئية‏,‏ والنفي المطلق يخالف الواقع الذي علم الله أنه سيهدي إليه عباده بعد نحو ألف وخمسين عاما من اختتام القرآن‏,‏ فكأن من الإعجاز المزدوج أن يقيد الله نفي العمد في الخلق والرفع بقوله‏(‏ ترونها‏),‏ والضمير المنصوب في‏(‏ ترونها‏)‏ يرجع أولا إلي أقرب مذكور وهو‏(‏ عمد‏)‏ فيكون المعني‏:‏ بغير عمد مرئية‏,‏ أي بعمد من شأنها وفطرتها ألا تري‏,‏ والفعل المضارع في اللغة يشمل الحال والاستقبال أو هو حال مستمر‏,‏ لأن القرآن مخاطب به الناس في كل عصر‏.‏
وإذا أعيد الضمير إلي السماء كان المعني‏:‏ أن السماء ترونها مخلوقة مرفوعة بغير عمد‏,‏ وتكون العمد مايعهده الناس في أبنية الأرض‏,‏ ونفيها بهذا المعني عن السماء المرفوعة أيضا أمر عجيب لايقدر عليه إلا الله وكلا الوجهين مفهوم من التعبير القرآني طبق اللغة‏,‏ وإن كان الأولي في اللغة هو الوجه الأول الذي يحوي الإعجاز العلمي‏,‏ وإذن فالوجهان كلاهما مرادان بالتعبير الكريم إذ لامانع من أحدهما والزمخشري فهم المعنيين علي التخيير‏,‏ وإن أعطي الأولوية للمعني المستفاد من جعل‏(‏ ترونها‏)‏ صفة للعمد‏,‏ أي بغير عمد مرئية‏,‏ يعني أن عمدها لاتري‏,‏ وهي إمساكها بقدرته‏.‏
أما الفخر الرازي فلم يرصد إلا هذا المعني الثاني إذ يقول‏:‏ إنه رفع السماء بغير عمد ترونها‏,‏ أي لاعمد في الحقيقة إلا أن تلك العمد هي قدرة الله تعالي وحفظه وتدبيره وإبقاؤه إياها في الحيز الحالي‏,‏ وإنهم‏(‏ أي الناس‏)‏ لايرون ذلك التدبير ولايعرفون كيفية ذلك الإمساك‏.‏
وأضاف الغمراوي‏(‏ يرحمه الله‏)‏ وقد عرف علماء الفلك الحديث كيفية ذلك عن طريق تلك السنة الكونية العجيبة المذهلة‏:‏ سنة الجاذبية العامة‏,‏ التي قامت وتقوم بها السماوات والأرض بأمر الله كما قال سبحانه‏:‏ ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره
‏(‏الروم‏:25)‏
وقد بقي من صور التعبير صورة‏,‏ وهي أن يقال‏:(‏ بعمد لاترونها‏)‏ بدلا من‏(‏ بغير عمد ترونها‏)‏ في الآيتين الكريمتين‏,‏ وقد تجنبها القرآن لحكمة بالغة‏,‏ فلو أنها جاءت فيه هكذا لاتجهت الافكار باديء ذي بدء إلي إثبات عمد في السماء أو للسماء‏,‏ كالتي يعرفونها فيما يعلون من بنيان‏,‏ ولأثبت العلم بطلان ذلك‏,‏ وإن جاز علي أهل العصور قبل‏,‏ وجل وعز وجه الله أن يلم خطأ مابكتابه من قريب أو بعيد‏.‏
وذكر الصابوني‏(‏ أمد الله في عمره‏)‏ في تفسير قوله تعالي‏:‏
الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها
مانصه‏:‏ أي خلقها مرتفعة البناء‏,‏ قائمة بقدرته لاتستند علي شيء حال كونكم تشاهدونها وتنظرونها بغير دعائم‏,‏ وذلك دليل علي وجود الخالق المبدع الحكيم
العمد غير المرئية في العلوم الكونية
تشير الدراسات الكونية إلي وجود قوي مستترة‏,‏ في اللبنات الأولية للمادة وفي كل من الذرات والجزيئات وفي كافة أجرام السماء‏,‏ تحكم بناء الكون وتمسك بأطرافه إلي أن يشاء الله تعالي فيدمره ويعيد خلق غيره من جديد‏.‏
ومن القوي التي تعرف عليها العلماء في كل من الأرض والسماء أربع صور‏,‏ يعتقد بأنها أوجه متعددة لقوة عظمي واحدة تسري في مختلف جنبات الكون لتربطه برباط وثيق وإلا لانفرط عقده وهذه القوي هي‏:‏
‏(1)‏ القوة النووية الشديدة
وهي القوة التي تقوم بربط الجزيئات الأولية للمادة في داخل نواة الذرة برباط متين من مثل البروتونات‏,‏ والنيوترونات ولبناتهما الأولية المسماة بالكواركات
‏(QUARKS)‏
بأنواعها المختلفة وأضدادها
‏((Anti-Quarks‏
كما تقوم بدمج والتحام نوي الذرات مع بعضها البعض في عمليات الاندماج النووي
‏(nuclearfusion)‏
التي تتم في داخل النجوم‏,‏ كما تتم في العديد من التجارب المختبرية‏,‏ وهي أشد أنواع القوي الطبيعية المعروفة لنا في الجزء المدرك من الكون ولذا تعرف باسم القوة الشديدة ولكن هذه الشدة البالغة في داخل نواة الذرة تتضاءل عبر المسافات الأكبر ولذلك يكاد دورها يكون محصورا في داخل نوي الذرات‏,‏ وبين تلك النوي ومثيلاتها‏,‏ وهذه القوي تحمل علي جسيمات غير مرئية تسمي باسم اللاحمة أو جليون
‏(gluon)‏
لم تكتشف إلا في أواخر السبعينيات من القرن العشرين‏,‏ وفكرة القنبلة النووية قائمة علي اطلاق هذه القوة التي تربط بين لبنات نواة الذرة‏,‏ وهذه القوة لازمة لبناء الكون لأنها لو انعدمت لعاد الكون إلي حالته الأولي لحظة الانفجار العظيم حين تحول الجرم الابتدائي الأولي الذي نشأ عن انفجاره كل الكون إلي سحابة من اللبنات الأولية للمادة التي لايربطها رابط‏,‏ ومن ثم لايمكنها بناء أي من أجرام السماء‏.‏
‏(2)‏ القوة النووية الضعيفة‏:‏
وهي قوة ضعيفة وذات مدي ضعيف للغاية لا يتعدي حدود الذرة وتساوي‏10‏ ــ‏13‏ من شدة القوة النووية الشديدة‏,‏ وتقوم بتنظيم عملية تفكك وتحلل بعض الجسيمات الأولية للمادة في داخل الذرة كما يحدث في تحلل العناصر المشعة‏,‏ وعلي ذلك فهي تتحكم في عملية فناء العناصر حيث إن لكل عنصر أجلا مسمي‏,‏ وتحمل هذه القوة علي جسيمات إما سالبة أو عديمة الشحنة تسمي البوزونات
‏(bosons).‏
‏(3)‏ القوة الكهربائية المغناطيسية‏(‏ الكهرومغناطيسية‏):‏
وهي القوة التي تربط الذرات بعضها ببعض في داخل جزيئات المادة مما يعطي للمواد المختلفة صفاتها الطبيعية والكيميائية‏,‏ ولولا هذه القوة لكان الكون مليئا بذرات العناصر فقط ولما كانت هناك جزيئات أو مركبات‏,‏ ومن ثم ما كانت هناك حياة علي الاطلاق‏.‏
وهذه القوة هي التي تؤدي إلي حدوث الاشعاع الكهرومغناطيسي علي هيئة فوتونات الضوء أو مايعرف باسم الكم الضوئي‏.‏
‏(PhotonsorphotonQuantum)‏
وتنطلق الفوتونات بسرعة الضوء لتؤثر في جميع الجسيمات التي تحمل شحنات كهربية ومن ثم فهي تؤثر في جميع التفاعلات الكيميائية وفي العديد من العمليات الفيزيائية وتبلغ قوتها‏137/1‏ من القوة النووية الشديدة‏.‏
‏(4)‏ قوة الجاذبية‏:‏
وهي علي المدي القصير تعتبر أضعف القوي المعروفة لنا‏,‏ وتساوي‏10‏ ــ‏39‏ من القوة النووية الشديدة‏,‏ ولكن علي المدي الطويل تصبح القوة العظمي في الكون‏,‏ نظرا لطبيعتها التراكمية فتمسك بكافة أجرام السماء‏,‏ وبمختلف تجمعاتها‏,‏ ولولا هذا الرباط الحاكم الذي أودعه الله‏(‏ تعالي‏)‏ في الأرض وفي أجرام السماء ما كانت الأرض ولا كانت السماء ولو زال هذا الرباط لانفرط عقد الكون وانهارت مكوناته‏.‏
ولايزال أهل العلم يبحثون عن موجات الجاذبية المنتشرة في أرجاء الكون كله‏,‏ منطلقة بسرعة الضوء دون أن تري‏,‏ ويفترض وجود هذه القوة علي هيئة جسيمات خاصة في داخل الذرة لم تكتشف بعد يطلق عليها اسم الجسيم الجاذب أو‏(‏ الجرافيتون‏)
(Graviton)‏
وعلي ذلك فإن الجاذبية هي أربطة الكون‏.‏
والجاذبية مرتبطة بكتل الأجرام وبمواقعها بالنسبة لبعضها البعض‏,‏ فكلما تقاربت أجرام السماء‏,‏ وزادت كتلها‏,‏ زادت قوي الجذب بينها‏,‏ والعكس صحيح‏,‏ ولذلك يبدو أثر الجاذبية أوضح مايكون بين أجرام السماء التي يمسك الأكبر فيها بالأصغر بواسطة قوي الجاذبية‏,‏ ومع دوران الأجرام حول نفسها تنشأ القوة الطاردة‏(‏ النابذة‏)‏ المركزية التي تدفع بالاجرام الصغيرة بعيدا عن الأجرام الأكبر التي تجذبها حتي تتساوي القوتان المتضادتان‏:‏ قوة الجذب إلي الداخل‏,‏ وقوة الطرد إلي الخارج فتتحدد بذلك مدارات كافة أجرام السماء التي يسبح فيها كل جرم سماوي دون أدني تعارض أو اصطدام‏.‏
هذه القوي الأربع هي الدعائم الخفية التي يقوم عليها بناء السماوات والأرض‏,‏ وقد أدركها العلماء من خلال آثارها الظاهرة والخفية في كل أشياء الكون المدركة‏.‏
توحيد القوي المعروفة في الكون المدرك
كما تم توحيد قوتي الكهرباء والمغناطيسية في شكل قوة واحدة هي القوة الكهرومغناطيسية‏,‏ يحاول العلماء جمع تلك القوة مع القوة النووية الضعيفة باسم القوة الكهربائية الضعيفة
‏(TheElectroweakForce)‏
حيث لا يمكن فصل هاتين القوتين في درجات الحرارة العليا التي بدأ بها الكون‏,‏ كذلك يحاول العلماء جمع القوة الكهربائية الضعيفة والقوة النووية الشديدة في قوة واحدة وذلك في عدد من النظريات التي تعرف باسم نظريات المجال الواحد أو النظريات الموحدة الكبر
ي‏TheGrandUnifiedTheorie))‏
ثم جمع كل ذلك مع قوة الجاذبية فيما يسمي باسم الجاذبية العظمي
‏(Supergravity)‏
التي يعتقد العلماء بأنها كانت القوة الوحيدة السائدة في درجات الحرارة العليا عند بدء خلق الكون‏,‏ ثم تمايزت إلي القوي الأربع المعروفة لنا اليوم‏,‏ والتي ينظر إليها علي أنها أوجه أربعة لتلك القوة الكونية الواحدة التي تشهد لله الخالق بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه‏,‏ فالكون يبدو كنسيج شديد التلاحم والترابط‏,‏ ورباطه هذه القوة العظمي الواحدة التي تنتشر في كافة أرجائه‏,‏ وفي جميع مكوناته وأجزائه وجزيئاته‏,‏ وهذه القوة الواحدة تظهر لنا في هيئة العديد من صور الطاقة‏,‏ والطاقة هي الوحدة الأساسية في الكون‏,‏ والمادة مظهر من مظاهرها‏,‏ وهي من غير الطاقة لا وجود لها‏,‏ فالكون عبارة عن المادة والطاقة ينتشران في كل من المكان والزمان بنسب وتركيزات متفاوتة فينتج عنها ذلك النسيج المحكم المحبوك في كل جزئية من جزئياته‏.‏
الجاذبية العامة
من الثوابت العلمية أن الجاذبية العامة هي سنة من سنن الله في الكون أودعها ربنا تبارك وتعالي كافة أجزاء الكون ليربط تلك الاجزاء بها‏,‏ وينص قانون هذه السنة الكونية بأن قوة التجاذب بين أي كتلتين في الوجود تتناسب تناسبا طرديا مع حاصل ضرب كتلتيهما‏,‏ وعكسيا مع مربع المسافة الفاصلة بينهما‏,‏ ومعني ذلك أن قوة الجاذبية تزداد بازدياد كل من الكتلتين المتجاذبتين‏,‏ وتنقص بنقصهما‏,‏ بينما تزداد هذه القوة بنقص المسافة الفاصلة بين الكتلتين‏,‏ وتتناقص بتزايدها‏,‏ ولما كان لأغلب أجرام السماء كتل مذهلة في ضخامتها فإن الجاذبية العامة هي الرباط الحقيقي لتلك الكتل علي الرغم من ضخامة المسافات الفاصلة بينها‏,‏ وهذه القوة الخفية‏(‏ غير المرئية‏)‏ تمثل النسيج الحقيقي الذي يربط كافة أجزاء الكون كما هو الحال بين الأرض والسماء وهي القوة الرافعة للسماوات باذن الله بغير عمد مرئية‏.‏
وهي نفس القوة التي تحكم تكور الأرض وتكور كافة أجرام السماء وتكور الكون كله‏,‏ كما تحكم عملية تخلق النجوم بتكدس أجزاء من الدخان الكوني علي بعضها البعض‏,‏ بكتلات محسوبة بدقة فائقة‏,‏ وتخلق كافة أجرام السماء الأخري‏,‏ كما تحكم دوران الأجرام السماوية كل حول محوره‏,‏ وتحكم جرية في مداره‏,‏ بل في أكثر من مدار واحد له‏,‏ وهذه المدارات العديدة لاتصطدم فيها أجرام السماء رغم تداخلاتها وتعارضاتها الكثيرة‏,‏ ويبقي الجرم السماوي في مداره المحدد بتعادل دقيق بين كل من قوي الجذب إلي الداخل بفعل الجاذبية وبين قوي الطرد إلي الخارج بفعل القوة الطاردة‏(‏ النابذة‏)‏ المركزية‏.‏
وقوة الجاذبية العامة تعمل علي تحدب الكون أي تكوره وتجبر كافة صور المادة والطاقة علي التحرك في السماء في خطوط منحنية‏(‏ العروج‏),‏ وتمسك بالأغلفة الغازية والمائية والحياتية للأرض‏,‏ وتحدد سرعة الإفلات من سطحها‏,‏ وبتحديد تلك السرعة يمكن إطلاق كل من الصواريخ والأقمار الصناعية‏.‏
والجاذبية الكمية
‏(QuantumGravity)‏
تجمع كافة القوانين المتعلقة بالجاذبية‏,‏ مع الأخذ في الحسبان جميع التأثيرات الكمية علي اعتبار أن إحداثيات الكون تتبع نموذجا مشابها للاحداثيات الأرضية‏,‏ وأن ابعاد الكون تتبع نموذجا مشابها للأرض بأبعادها الثلاثة بالاضافة إلي كل من الزمان والمكان كبعد رابع‏.‏وعلي الرغم من كونها القوة السائدة في الكون‏(‏ بإذن الله‏)‏ فإنها لاتزال سرا من أسرار الكون‏,‏ وكل النظريات التي وضعت من أجل تفسيرها قد وقفت دون ذلك لعجزها عن تفسير كيفية نشأة هذه القوة‏,‏ وكيفية عملها‏,‏ وإن كانت هناك فروض تنادي بأن جاذبية الأرض ناتجة عن دورانها حول محورها‏,‏ وأن مجالها المغناطيسي ناتج عن دوران لب الأرض السائل والذي يتكون أساسا من الحديد والنيكل المنصهرين حول لبها الصلب والذي له نفس التركيب الكيميائي تقريبا‏,‏ وكذلك الحال بالنسبة لبقية أجرام السماء‏.‏
موجات الجاذبية
منذ العقدين الأولين من القرن العشرين تنادي العلماء بوجود موجات للجاذبية من الإشعاع التجاذبي تسري في كافة أجزاء الكون‏,‏ وذلك علي أساس أنه بتحرك جسيمات مشحونة بالكهرباء مثل الإليكترونات والبروتونات الموجودة في ذرات العناصر والمركبات فإن هذه الجسيمات تكون مصحوبة في حركتها باشعاعات من الموجات الكهرومغناطيسية‏,‏ وقياسا علي ذلك فإن الجسيمات غير المشحونة‏(‏ مثل النيوترونات‏)‏ تكون مصحوبة في حركتها بموجات الجاذبية‏,‏ ويعكف علماء الفيزياء اليوم علي محاولة قياس تلك الأمواج‏,‏ والبحث عن حاملها من جسيمات أولية في بناء المادة يحتمل وجوده في داخل ذرات العناصر والمركبات‏,‏ واقترحوا له اسم الجاذب أو الجرافيتون وتوقعوا أنه يتحرك بسرعة الضوء‏,‏ وانطلاقا من ذلك تصوروا أن موجات الجاذبية تسبح في الكون لتربط كافة أجزائه برباط وثيق من نواة الذرة إلي المجرة العظمي وتجمعاتها إلي كل الكون‏,‏ وأن هذه الموجات التجاذبية هي من السنن الأولي التي أودعها الله تعالي مادة الكون وكل المكان والزمان‏!!‏
وهنا تجب التفرقة بين قوة الجاذبية
‏(TheGravitationalForce)‏
وموجات الجاذبية
‏(TheGravitationalWaves),‏
فبينما الأولي تمثل قوة الجذب للمادة الداخلة في تركيب جسم ماحين تتبادل الجذب مع جسم آخر‏,‏ فإن الثانية هي أثر لقوة الجاذبية‏,‏ وقد أشارت نظرية النسبية العامة إلي موجات الجاذبية الكونية علي أنها رابط بين المكان والزمان علي هيئة موجات تؤثر في حقول الجاذبية في الكون كما تؤثر علي الأجرام السماوية التي تقابلها وقد بذلت محاولات كثيرة لاستكشاف موجات الجاذبية القادمة إلينا من خارج مجموعتنا الشمسية ولكنها لم تكلل بعد بالنجاح‏.‏
والجاذبية وموجاتها التي قامت بها السماوات والأرض منذ بدء خلقهما‏,‏ ستكون سببا في هدم هذا البناء عندما يأذن الله‏(‏ تعالي‏)‏ بتوقف عملية توسع الكون فتبدأ الجاذبية وموجاتها في العمل علي انكماش الكون وإعادة جمع كافة مكوناته علي هيئة جرم واحد شبيه بالجرم الابتدائي الذي بدأ به خلق الكون وسبحان القائل‏:‏
يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين
‏(‏الأنبياء‏:104)‏
نظرية الخيوط العظمي وتماسك الكون
في محاولة لجمع القوي الأربع المعروفة في الكون‏(‏ القوة النووية الشديدة والقوة النووية الضعيفة‏,‏ والقوة الكهرومغناطيسية‏,‏ وقوة الجاذبية‏)‏ في صورة واحدة للقوة اقترح علماء الفيزياء مايعرف باسم نظرية الخيوط العظمي
‏(TheTheoryOfSuperstrings)‏
والتي تفترض أن الوحدات البانية للبنات الأولية للمادة من مثل الكواركات والفوتونات‏,‏ والإليكترونات وغيرها‏)‏ تتكون من خيوط طولية في حدود‏10‏ ــ‏35‏ من المتر‏,‏ تلتف حول ذواتها علي هيئة الزنبرك المتناهي في ضآلة الحجم‏,‏ فتبدو كما لو كانت نقاطا أو جسيمات‏,‏ وهي ليست كذلك‏,‏ وتفيد النظرية في التغلب علي الصعوبات التي تواجهها الدراسات النظرية في التعامل مع مثل تلك الأبعاد شديدة التضاؤل حيث تتضح الحاجة إلي فيزياء كمية غير موجودة حاليا‏,‏ ويمكن تمثيل حركة الجسيمات في هذه الحالة بموجات تتحرك بطول الخيط‏,‏ كذلك يمكن تمثيل انشطار تلك الجسيمات واندماجها مع بعضها البعض بانقسام تلك الخيوط والتحامها‏.‏
وتقترح النظرية وجود مادة خفية
‏(ShadowMatter)‏
يمكنها أن تتعامل مع المادة العادية عبر الجاذبية لتجعل من كل شيء في الكون‏(‏ من نواة الذرة إلي المجرة العظمي وتجمعاتها المختلفة إلي كل السماء‏)‏ بناء شديد الإحكام‏,‏ قوي الترابط‏,‏ وقد تكون هذه المادة الخفية هي مايسمي باسم المادة الداكنة
‏(DarkMatter)‏
والتي يمكن أن تعوض الكتل الناقصة في حسابات الجزء المدرك من الكون‏,‏ وقد تكون من القوي الرابطة له‏.‏
وتفسر النظرية جميع العلاقات المعروفة بين اللبنات الأولية للمادة‏,‏ وبين كافة القوي المعروفة في الجزء المدرك من الكون‏.‏
وتفترض النظرية أن اللبنات الأولية للمادة ماهي إلا طرق مختلفة لتذبذب تلك الخيوط العظمي في كون ذي أحد عشربعدا‏,‏ ومن ثم واذا كانت النظرية النسبية قد تحدثت عن كون منحن‏,‏ منحنية فيه الابعاد المكانية الثلاثة‏(‏ الطول‏,‏ العرض‏,‏ والارتفاع‏)‏ في بعد رابع هو الزمن‏,‏ فإن نظرية الخيوط العظمي تتعامل مع كون ذي أحد عشر بعدا منها سبعة أبعاد مطوية علي هيئة لفائف الخيوط العظمي التي لم يتمكن العلماء بعد من إدراكها وسبحان القائل‏:‏ الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها
والله قد أنزل هذه الحقيقة الكونية علي خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ من قبل أربعة عشر قرنا‏,‏ ولا يمكن لعاقل أن ينسبها إلي مصدر غير الله الخالق‏.‏ 

الأهرام 2001/09/17