Tuesday, May 31, 2011

حديث قدسي : يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي

____

عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربِه عز وجل أنه قال : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أُطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي إنكم تخطئون بالليلِ والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا ، فاستغفروني أغفر لكم ، يا عبادي إِنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجرِ قلب واحد منكم ما نقص من ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد ، فسألوني ، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ، يا عِبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ، ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله،  ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ) رواه مسلم .

الشرح

بين يديك – أخي الكريم - أختي الكريمة  – أحد الأحاديث القدسية العظيمة ، التي يرويها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رب العزة جل وعلا ، فتعال بنا نعيش مع هذا الحديث ، ونستظل بفيئه ، وننهل من عذبه الصافي .

لقد بدأ الحديث بإرساء قواعد العدل في النفوس ، وتحريم الظلم والعدوان ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ) ، وحقيقة الظلم : وضع الشيء في غير موضعه ، وهذا مناف لكمال الله تعالى وعدله ، فلذلك نزّه الله تعالى نفسه عن الظلم فقال : { وما أنا بظلام للعبيد } ( ق : 29 ) ، وقال أيضا : { وما الله يريد ظلما للعباد } ( غافر : 31 ) .

ولئن كان الله تعالى قد حرّم الظلم على نفسه ، فقد حرّمه على عباده ، وحذّرهم أن يقعوا فيه ؛ وما ذلك إلا لعواقبه الوخيمة على الأمم ، وآثاره المدمرة على المجتمعات ، وما ظهر الظلم بين قوم إلا كان سببا في هلاكهم ، وتعجيل العقوبة  عليهم ، كما قال سبحانه في كتابه العزيز : { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد } ( هود : 102 ) ، ومن ثمّ كانت دعوة المظلوم عظيمة الشأن عند الله ، فإن أبواب السماء تفتح لها ، ويرفعها الله فوق الغمام يوم القيامة ، بل إنه سبحانه وتعالى يقول لها ( وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين ) كما صح بذلك الحديث .

ثم انتقل الحديث إلى بيان مظاهر افتقار الخلق إلى ربهم وحاجتهم إليه ، وذلك في قوله : ( يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أُطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم ) ، فبيّن أن الخليقة كلها ليس بيدها من الأمر شيء ، ولا تملك لنفسها و لا لغيرها حولا ولا قوة ، سواءٌ أكان ذلك في أمور معاشها أم معادها ، وقد خاطبنا القرآن بمثل رائع يجسّد هذه الحقيقة ، حيث قال : { يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب } ( الحج : 73 ) أي : إذا أخذ الذباب شيئا من طعامهم ثم طار ، وحاولوا بكل عدتهم وعتادهم أن يخلصوا هذا الطعام منه ما استطاعوا أبدا ، فإذا كان الخلق بمثل هذا الضعف والافتقار ، لزمهم أن يعتمدوا على الله في أمور دنياهم وآخرتهم ، وأن يفتقروا إليه في أمر معاشهم ومعادهم .

وليس افتقار العباد إلى ربهم مقصورا على الطعام والكساء ونحوهما ، بل يشمل الافتقار إلى هداية الله جل وعلا ، ولهذا يدعو المسلم في كل ركعة بـ : {  اهدنا الصراط المستقيم } ( الفاتحة : 6 ) .

ثم بيّن الله تعالى بعد ذلك حقيقة ابن آدم المجبولة على الخطأ ، فقال : ( يا عبادي إنكم تخطئون بالليلِ والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا ، فاستغفروني أغفر لكم ) ، إنه توضيح للضعف البشري ، والقصور الذي يعتري الإنسان بين الحين والآخر ، فيقارف الذنب تارة ، ويندم تارة أخرى ، وهذه الحقيقة قد أشير إليها في أحاديث أخرى ، منها : ما رواه الإمام ابن ماجة بسند حسن ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون ) ، فإذا كان الأمر كذلك فإن على الإنسان المسلم أن يتعهّد نفسه بالتوبة ، فيقلع عن ذنبه ، ويستغفر من معصيته ، ويندم على ما فرّط في جنب الله ، ثم يوظّف هذا الندم الذي يصيبه بأن يعزم على عدم تكرار هذا الذنب ، فإذا قُدّر عليه الوقوع في الذنب مرة أخرى ، جدد التوبة والعهد ولم ييأس ، ثقةً منه بأن له ربا يغفر الذنب ويقبل التوبة من عباده المخطئين .

ثم بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم – فيما يرويه عن ربّه – شيئا من مظاهر الكمال الذي يتصف به الله جل وعلا ، مبتدئا بالإشارة إلى استغناء الله عن خلقه ، وعدم احتياجه لهم ، كما قال تعالى : { يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد } ( فاطر : 15 ) ، فالله تعالى غني حميد ، لا تنفعه طاعة عباده ، ولا تضره معصيتهم ، بل لو آمن من في الأرض جميعا ، وبلغوا أعلى مراتب الإيمان والتقوى ، لم يزد ذلك في ملك الله شيئا ، ولو كفروا جميعا ، ما نقص من ملكه شيئا ، لأن الله سبحانه وتعالى مستغن بذاته عن خلقه ، وإنما يعود أثر الطاعة أو المعصية على العبد نفسه ، وقد جاء في القرآن الكريم ما يؤكد هذه الحقيقة ويوضحها ، قال الله عز وجل : { قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها } ( الأنعام : 104 ) ، فمن عرف حجج الله وآمن بها واتبعها ، فقد بلغ الخير لنفسه ، ومن تعامى عن معرفة الحق ، وآثر عليها ظلمات الغواية ، فعلى نفسه جنى ، وأوردها الردى .

وبالرغم من ذلك فإن نعم الله سبحانه مبثوثة للطائع والعاصي على السواء ، دون أن يجعل تلك المعاصي مانعا لهذا العطاء ، وهذا من كرم الله تعالى وجوده ، وهي أيضا مظهر من مظاهر سعة ملك الله تعالى ، فإن الله لو أعطى جميع الخلق ما يرغبون ، لم ينقص ذلك من ملكه شيئا يُذكر.

ولما كانت الحكمة من الخلق هي الابتلاء والتكليف ، بيّن سبحانه أن العباد محاسبون على أعمالهم ، ومسئولون عن تصرفاتهم ، فقد جعل الله لهم الدنيا دارا يزرعون فيها ، وجعل لهم الآخرة دارا يجنون فيها ما زرعوه ، فإذا رأى العبد في صحيفته ما يسرّه ، فليعلم أن هذا محض فضل الله ومنّته ، إذ لولا الله تعالى لما قام هذا العبد بما قام به من عمل صالح ، وإن كانت الأخرى ، فعلى نفسها جنت براقش ، ولا يلومنّ العبد إلا نفسه .

 

Monday, May 30, 2011

أسماء الله الحسنى - الصمد

Al-smad

 

الصمد :

اسم الله الصمد يدل على ذات الله وعلى صفة الصمدية بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، ويدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسيادة والأحدية ، وكمال السمع والبصر والعلم ، ومطلق المشيئة وتدبير الأمر ، والقدرة والعزة ، والقوة والحكمة ، والكبرياء والعظمة ، وكمال العدل والحكم ، وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله الصمد دل على صفة من صفات الذات .

 

الصمد في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالصمدية ، فعله صَمَدَ يَصْمِدُ صَمْدا وهو يأتي على عدة معان : منها السَّيِّدُ المُطاع الذي لا يُقضى دونه أَمر ، ومنها الذي يطعم ولا يَطعَم ، ومنها الصَمد السيِّد الذي ينتهي إِليه السُّؤدَد في كل شيء فله الصمدية المطلقة ، وقيل : الصمد الدائم الباقي بعد فناء خَلقه ، وقيل : هو الذي يُصمَد إِليه الأَمر فلا يُقضَى دونه وليس فوقه أَحد ، وقيل : الصمد الذي صَمَدَ إِليه كل شيء أي الذي خَلق الأَشياء كلها لا يَسْتَغني عنه شيء ، وكلها تدل على وحدانية الله ([1]) .

وقال البخاري : ( باب قولِهِ الله الصَّمَدُ ، والعَرَبُ تُسمِّي أشرافَها الصَّمَدَ ، قال أبو وائِل : هو السيّدُ الذي انتهى سُؤدَدُه ) ([2]) ، وقال ابن تيمية : ( والاسم الصمد فيه للسلف أقوال متعددة قد يظن أنها مختلفة وليست كذلك بل كلها صواب ، والمشهور منها قولان : أحدهما أن الصمد هو الذي لا جوف له ، والثاني أنه السيد الذي يصمد إليه في الحوائج ) ([3]) .

وقال ابن الجوزي : ( وفي الصمد أربعة أقوال : أحدها أنه السيد الذي يصمد إليه في الحوائج .. والثاني : أنه لا جوف له .. والثالث : أنه الدائم ، والرابع : الباقي بعد فناء الخلق ..وأصح الوجوه الأول لأن الاشتقاق يشهد له ، فإن أصل الصمد القصد يقال : اصمد فلان أي اقصد فلان ، فالصمد السيد الذي يصمد إليه في الأمور ويقصد في الحوائج ) ([4]) .

وخلاصة المعاني في الصمدية أن الصمد هو السيد الذي له الكمال المطلق في كل شيء ، وهو المستغني عن كل شيء ، وكل من سواه مفتقر إليه يصمد إليه ويعتمد عليه ، وهو الكامل في جميع صفاته وأفعاله ، لا نقص فيه بوجه من الوجوه ، وليس فوقه أحد في كماله ، وهو الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وسائر أمورهم فالأمور أصمدت إليه وقيامها وبقاؤها عليه لا يقضي فيها غيره ، وهو المقصود إليه في الرغائب والمستغاث به عند المصائب الذي يطعم ولا يَطعَم ولم يلد ولم يولد ([5]) .

 



(1)       لسان العرب 3/259 ، النهاية في غريب الحديث 3/52 .

(2)       البخاري : كتاب التفسير ، باب وامرأته حمالة الحطب 4/1903 .

(1)       بيان تلبيس الجهمية 1/511 .

(2)       زاد المسير 9/268 .

(3)       الأسماء والصفات للبيهقي ص78 ، وتفسير أسماء الله الحسنى للزجاج ص57 ، والمقصد الأسنى ص 199.

Sunday, May 29, 2011

عمر بن الخطاب الفاروق

__

 

الفاروق عمر بن الخطاب

من هو:

الفاروق أبو حفص ، عمر بن الخطاب بن نُفيل بن عبد العزَّى القرشي العدوي ، ولد بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة ( 40 عام قبل الهجرة ) ، عرف في شبابه بالشـدة والقـوة ، وكانت له مكانة رفيعـة في قومه اذ كانت له السفارة في الجاهلية فتبعثـه قريش رسولا اذا ما وقعت الحرب بينهم أو بينهم و بين غيرهم وأصبح الصحابي العظيم الشجاع الحازم الحكيم العادل صاحب الفتوحات وأول من لقب بأمير المؤمنين0

إسلامه

أسلم في السنة السادسة من البعثة النبوية المشرفة ، فقد كان الخباب بن الأرت يعلم القرآن لفاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد عندما فاجأهم عمر بن الخطـاب متقلـدا سيفه الذي خـرج به ليصفـي حسابه مع الإسـلام ورسوله ، لكنه لم يكد يتلو القرآن  في الصحيفة حتى قال :( دلوني على محمد )  

وسمع خباب كلمات عمر ، فخرج من مخبئه وصاح : يا عمـر والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصـك بدعـوة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ،فإني سمعته بالأمس يقول :( اللهم أيد الإسلام بأحب الرجلين إليك ، أبي الحكم بن هشام ، وعمر بن الخطاب ) فسأله عمر من فوره :( وأين أجد الرسول الآن يا خباب ؟) وأجاب خباب :( عند الصفـا في دار الأرقـم بن أبي الأرقـم )  

ومضى عمر الى دار الأرقم فخرج إليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فأخذ بمجامع ثوبه و حمائل السيف فقال :( أما أنت منتهيا يا عمر حتى يُنزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة ؟ اللهم هذا عمر بن الخطاب ، اللهم أعزّ الدين بعمر بن الخطاب )

فقال عمر :( أشهد أنّك رسول الله )  

وبإسلامه ظهر الإسلام في مكة اذ قال للرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون في دار الأرقم :( والذي بعثك بالحق لتخرجن ولنخرجن معك )

وخرج المسلمون ومعهم عمر ودخلوا المسجد الحرام وصلوا حول الكعبة دون أن تجـرؤ قريش على اعتراضهم أو منعهم ، لذلك سماه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( الفاروق ) لأن الله فرق بين الحق والباطل   

لسان الحق

هو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، ومن علماء الصحابة وزهادهم ، وضع الله الحق على لسانه اذ كان القرآن ينزل موافقا لرأيه ، يقول علي بن أبي طالب :( إنّا كنا لنرى إن في القرآن كلاما من كلامه ورأياً من رأيه )  كما قال عبد الله بن عمر :( مانزل بالناس أمر فقالوا فيه وقال عمر ، إلا نزل القرآن بوفاق قول عمر )  

‏عن ‏أبي هريرة ‏-‏رضي الله عنه- ‏‏قال :‏ ‏قال رسـول اللـه ‏-‏صلى اللـه عليه وسلم-‏ ‏:( لقد كان فيما قبلكم من الأمم ‏‏محدثون ،‏ ‏فإن يك في أمتي أحد فإنه ‏‏عمر ‏) ‏

‏عن ‏أبي هريرة ‏‏قال ‏: ‏قال النبي ‏ ‏-صلى الله عليه وسلم :( ‏ لقد كان فيمن كان قبلكم من ‏بني إسرائيل‏ ‏رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء ،فإن يكن من أمتي منهم أحد ‏‏فعمر ) ‏‏قال ‏‏ابن عباس ‏-‏رضي الله عنهما-:( ‏‏من نبي ولا محدث ‏)  

قوة الحق

كان قويا في الحق لا يخشى فيه لومة لائم ، فقد ‏استأذن ‏‏عمر بن الخطاب ‏‏على رسول الله ‏-‏صلى الله عليه وسلم- ‏‏وعنده ‏‏نسوة ‏من ‏قريش ،‏ ‏يكلمنه ويستكثرنه ، عالية أصواتهن على صوته ، فلما استأذن ‏‏عمر بن الخطاب ‏قمن فبادرن الحجاب ، فأذن له رسول الله -‏صلى الله عليه وسلم-،‏ ‏فدخل ‏‏عمر ‏‏ورسول الله ‏-‏صلى الله عليه وسلم- ‏‏يضحك ، فقال ‏‏عمر :(‏ ‏أضحك الله سنك يا رسول الله )

فقال النبي ‏-صلى الله عليه وسلم-‏ ‏:( عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي ، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب )

فقال ‏‏عمر :(‏ ‏فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله ) ثم قال عمر ‏:( ‏يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله ‏-‏صلى الله عليه وسلم-) ‏

فقلن :( نعم ، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله -‏صلى الله عليه وسلم-) ‏

فقال رسول الله ‏-‏صلى الله عليه وسلم- ‏:( إيه يا ‏ابن الخطاب ‏، ‏والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا ‏فجا ‏قط إلا سلك ‏‏فجا ‏غير‏فجك )

ومن شجاعته وهيبته أنه أعلن على مسامع قريش أنه مهاجر بينما كان المسلمون يخرجون سرا ، وقال متحديا لهم :( من أراد أن تثكله أمه وييتم ولده وترمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي ) فلم يجرؤ أحد على الوقوف في وجهه  

عمر في الأحاديث النبوية

رُويَ عن الرسـول -صلى الله عليه وسلم- العديد من الأحاديث التي تبين فضل عمـر بن الخطاب نذكر منها ( إن الله سبحانـه جعل الحق على لسان عمر وقلبه )

( الحق بعدي مع عمـر حيث كان )

( إن الشيطان لم يلق عمـر منذ أسلم إلا خرَّ لوجهه )

( ما في السماء ملك إلا وهو يوقّر عمر ، ولا في الأرض شيطان إلا وهو يفرق من عمر )

قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأةِ أبي طلحة وسمعت خشفاً أمامي ، فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا بلال

ورأيت قصرا أبيض بفنائه جارية ، فقلت : لمن هذا القصر ؟

قالوا : لعمر بن الخطاب ، فأردت أن أدخله فأنظر إليه ، فذكرت غيْرتك ) فقال عمر :( بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار !)  

وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( بيْنا أنا نائم إذ أتيت بقدح لبنٍ ، فشربت منه حتى إنّي لأرى الريّ يجري في أظفاري ، ثم أعطيت فضْلي عمر بن الخطاب )

قالوا :( فما أوّلته يا رسول الله ؟)    قال :( العلم )

قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليّ وعليهم قمصٌ ، منها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ أسفل من ذلك ، وعُرِضَ عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجرّه )

قالوا :( فما أوَّلته يا رسول الله ؟)    قال :( الدين )  

خلافة عمر

رغب أبو بكر -رضي الله عنه- في شخصية قوية قادرة على تحمل المسئولية من بعده ، واتجه رأيه نحو عمر بن الخطاب فاستشار في ذلك عدد من الصحابة مهاجرين وأنصارا فأثنوا عليه خيرا ومما قاله عثمان بن عفان :( اللهم علمي به أن سريرته أفضل من علانيته ، وأنه ليس فينا مثله ) وبناء على تلك المشورة وحرصا على وحدة المسلمين ورعاية مصلحتهم

أوصى أبو بكر الصديق بخلافة عمر من بعده ، وأوضح سبب اختياره قائلا :(اللهم اني لم أرد بذلك إلا صلاحهم ، وخفت عليهم الفتنة فعملت فيهم بما أنت أعلم ، واجتهدت لهم رأيا فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليهم )  ثم أخذ البيعة العامة له بالمسجد إذ خاطب المسلمين قائلا :(أترضون بمن أستخلف عليكم ؟ فو الله ما آليـت من جهـد الرأي ، ولا وليت ذا قربى ، واني قد استخلفـت عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا ) فرد المسلمون :(سمعنا وأطعنا) وبايعوه سنة ( 13 هـ ) 

انجازاته

استمرت خلافته عشر سنين تم فيها كثير من الانجازات المهمة لهذا وصفه ابن مسعود -رضي الله عنه- فقال :( كان إسلام عمر فتحا ، وكانت هجرته نصرا ، وكانت إمامته رحمه ، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي الى البيت حتى أسلم عمر ، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا)  فهو أول من جمع الناس لقيام رمضان في شهر رمضان سنة ( 14 هـ ) ، وأول من كتب التاريخ من الهجرة في شهر ربيع الأول سنة ( 16 هـ ) ، وأول من عسّ في عمله ، يتفقد رعيته في الليل وهو واضع الخراج ، كما أنه مصّـر الأمصار ، واستقضـى القضـاة ، ودون الدواويـن ، وفرض الأعطيـة ، وحج بالناس عشر حِجَـجٍ متواليـة ، وحج بأمهات المؤمنين في آخر حجة حجها

وهدم مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وزاد فيه ، وأدخل دار العباس بن عبد المطلب فيما زاد ، ووسّعه وبناه لمّا كثر الناس بالمدينة ، وهو أول من ألقى الحصى في المسجد النبوي ، فقد كان الناس إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نفضوا أيديهم ، فأمر عمر بالحصى فجيء به من العقيق ، فبُسِط في مسجد الرسول -صلى الله علي وسلم-

وعمر -رضي الله عنه- هو أول من أخرج اليهود وأجلاهم من جزيرة العرب الى الشام ، وأخرج أهل نجران وأنزلهم ناحية الكوفة

الفتوحات الإسلامية

لقد فتح الله عليه في خلافته دمشق ثم القادسية حتى انتهى الفتح الى حمص ، وجلولاء والرقة والرّهاء وحرّان ورأس العين والخابور ونصيبين وعسقلان وطرابلس وما يليها من الساحل وبيت المقدس وبَيْسان واليرموك والجابية والأهواز والبربر والبُرلُسّ وقد ذلّ لوطأته ملوك الفرس والروم وعُتاة العرب حتى قال بعضهم :( كانت درَّة عمر أهيب من سيف الحجاج )

هَيْـبَتِـه و تواضعه

وبلغ -رضي الله عنه- من هيبته أن الناس تركوا الجلوس في الأفنية ، وكان الصبيان إذا رأوه وهم يلعبون فرّوا ، مع أنه لم يكن جبّارا ولا متكبّرا ، بل كان حاله بعد الولاية كما كان قبلها بل زاد تواضعه ، وكان يسير منفردا من غير حرس ولا حُجّاب ، ولم يغرّه الأمر ولم تبطره النعمة 

استشهاده

كان عمر -رضي الله عنه- يتمنى الشهادة في سبيل الله ويدعو ربه لينال شرفها :( اللهم أرزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك) وفي ذات يوم وبينما كان يؤدي صلاة الفجر بالمسجد طعنه أبو لؤلؤة المجوسي ( غلاما للمغيرة بن شعبة ) عدة طعنات في ظهره أدت إلى استشهاده ليلة الأربعاء لثلاث ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة  ولما علم قبل وفاته أن الذي طعنه ذلك المجوسي حمد الله تعالى أن لم يقتله رجل سجد لله تعالى سجدة ودفن الى جوار الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- في الحجرة النبوية الشريفة الموجودة الآن في المسجد النبوي في المدينة المنورة

Saturday, May 28, 2011

أسماء الله الحسنى - الواحد

 

 

 الواحد :

اسم الله الواحد يدل على ذات الله وعلى صفة الوحدانية بدلالة المطابقة ، وعلى

ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، ويدل باللزوم على

الحياة والقيومية ، والسمع والبصر ، والعلم والمشيئة والقدرة ، والغنى والقوة ،

والعلو والقهر والعظمة ، والهيمنة والكبرياء والعزة ، وغير ذلك من أوصاف الكمال

، وقد اقترن اسم الله الواحد باسمه القهار ؛ فقال سبحانه وتعالى :   }   قُل اللهُ خَالقُ كُل

شَيْءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّار ُ  { [الرعد:16] ، وذلك لأن معاني العلو من لوازم

الوحدانية ، فالذي علا بذاته وارتفع ارتفاعا مطلقا فوق الكل ينفرد بالوحدانية

والعلو والعظمة والمجد بدلالة اللزوم ، فالله عز وجل من جهة علو الفوقية متوحد في

علوه ، مستو على عرشه بائن من خلقه ، لا شيء من ذاته في خلقه ولا خلقه في

شيء من ذاته ، يعلم أعمالهم ويسمع أقوالهم ويرى أفعالهم ولا تخفى عليه منهم خافية

، ومن جهة علو الشأن منفرد بكل معاني الكمال متوحد منزه عن النقائص والعيوب

التي تنافي معاني الألوهية والربوبية ، فتعالى في أحديته عن الشريك والظهير والولي

والنصير ، وتعالى في صمديته عن الصاحبة والولد وأن يكون له كفوا أحد ، وتعالى

في كمال حياته وقوميته ومشيئته وقدرته ، وتعالى في كمال حكمته وحجته ، وتعالى في

كمال علمه عن الغفلة والنسيان ، وعن ترك الخلق سدى دون غاية لخلق الجن

والإنسان ، واسم الله الواحد دل على صفة من صفات الذات ..

الواحد في اللغة اسم فاعل للموصوف بالواحدية أو الوحدانية ، فعله وحد يوحد وحادة


وتوحيدا ، ووحده توحيدا جعله واحدا ، والواحدُ أَول عدد الحساب وهو يدل على


الإثبات ، فلو قيل في الدار واحد لكان فيه إثبات واحد منفرد مع إثبات ما فوق الواحد

مجتمعين ومفترقين ([1]) .

والواحد سبحانه هو القائم بنفسه المنفرد بوصفه الذي لا يفتقر إلى غيره أزَلا وأبَدا

وهو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله ، فهو سبحانه كان ولا شيء معه ، ولا

شيء قبله ، ومازال بأسمائه وصفاته واحد أولا قبل خلقه ، فوجود المخلوقات لم يزده

كمالا كان مفقودا ، أو يزيل نقصا كان موجودا ، فالوحدانية قائمة على معنى الغنى

بالنفس والانفراد بكمال الوصف ، قال ابن الأَثير : ( الواحد في أَسماء الله تعالى هو الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر ) ([2])

روى البخاري من حديث عمران t أنه قال : ( إني عندَ النبيِّ إذ جاءهُ قومٌ من بني

تميم ، فقال : اقبَلوا البُشرى يا بنِي تميم ، قالوا : بشَّرْتنا فأعطِنا ، فدخلَ ناسٌ من أهل

اليمن فقال : اقبلوا البُشرَى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم ، قالوا : قبلنا جئناك

لنتفقه في الدِّين ، ولنسألك عن أولِ هذا الأمر ما كان ؟ قال : كان اللهَ ولم يكن

شيء قبلهُ وكان عرشه على الماء ثم خلقَ السماواتِ والأرضَ وكتب في الذكر كل شيء ) ([3]) .

وقال تعالى : } مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ

مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُداً { [الكهف:51] ، فهو سبحانه وحده الذي خلق الخلق بلا

معين ولا ظهير ولا وزير ولا مشير ، ومن ثم فإنه وحده المنفرد بالملك ، وليس لأحد

في ملكه شرك كما قال تعالى : } قُلِ ادْعُوا الذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ

مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ

ظَهِيرٍ { [سبأ:22] .

 ومن الأدلة العقلية في إثبات وحدانية الإله وتفرده بالربوبية دليل التمانع وملخصه أنا

لو قدرنا إلهين اثنين وفرضنا عرضين ضدين ، وقدرنا إرادة أحدهما لأحد الضدين

وإرادة الثاني للثاني فلا يخلو من أمور ثلاثة ، إما أن تنفذ إرادتهما ، أو لا تنفذ ، أو

تنفذ إرادة أحدهما دون الآخر ، ولما استحال أن تنفذ إرادتهما لاستحالة اجتماع

الضدين  واستحال أيضا ألا تنفذ إرادتهما لتمانع الإلهين وخلو المحل عن كِلا الضدين

، فإن الضرورة تقتضي أن تنفذ إرادة أحدهما دون الآخر ، فالذي لا تنفذ إرادته هو

المغلوب المقهور المستكره والذي نفذت إرادته هو الإله المنفرد الواحد القادر على

تحصيل ما يشاء ، قال تعالى : } مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ

كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ {

[المؤمنون:91] ، فلا يجوز أن يكون في السماوات والأرض آلهة متعددة بل لا يكون

الإله إلا واحدا وهو الله سبحانه ، ولا صلاح لهما بغير الوحدانية ، فلو كان للعالم

إلهان ربان معبودان لفسد نظامه واختلت أركانه ، قال تعالى : } لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ

إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ { [الأنبياء:22] ، فأساس قيام

الخلق وبقاء السماوات والأرض هي وحدانية الله وانفراده عمن سواه قال تعالى : }

إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ

بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً { [فاطر:41] وقال أيضا : } وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءوفٌ رَحِيمٌ { [الحج:65] ([4]) .


(1)       لسان العرب 3/446 .

(2)       القاموس المحيط  للفيروز آبادي ص414 ، المفردات ص66 .

(3)       البخاري في بدء الخلق ، باب ما جاء في قوله : ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُه )

3/1166 (3019) .

(1)       انظر في هذه القضية : دقائق التفسير الجامع لتفسير شيخ الإسلام ابن تيمية 2

/364 ، واقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية 1 /459 ، كتاب المواقف لعضد الدين الإيجي

3/306 ، ولمع الأدلة في قواعد أهل السنة والجماعة ص99 ، والغنية في أصول الدين

ص67 ، وشرح العقيدة الطحاوية ص 87.

أسماء الله الحسنى - الكريم

[[posterous-content:pid___0]]

 

الكريم :

 

اسم الله الكريم يدل على ذات الله وعلى الكرم كوصف ذات والإكرام كوصف فعل

بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بدلالة التضمن

، أما دلالته على وصف الذات فقد تضمنه الاسم على اعتبار أن الكرم بمعنى السعة في

الذات والصفات ، وأما وصف الفعل فقد ورد في نصوص كثيرة كما في قوله تعالى :   }

  وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ { [الإسراء:70] ، وقال تعالى : } فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ

وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ { [الفجر:15] ، وقال تعالى : } قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ

لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلاً { [الإسراء:62] ، وعند مسلم من حديث

عوف بن مالك t في دعاء الجنازة أن النبي  قال : ( اللهمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ .. الحديث ) ([1]) ، وعند البخاري من حديث زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ

t أَنَّ أُمَّ العَلاَءِ رضي الله عنها قالت عند موت عثمان بن مظعون t : ( رَحْمَةُ الله

عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ ، فشهادتي عَلَيْكَ ، لَقَدْ أَكْرَمَكَ الله ، فَقَالَ النبي  : وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ الله قَدْ

أَكْرَمَهُ ، فَقُلتُ : بأبي أَنْتَ يَا رَسُولَ الله فَمَنْ يُكْرِمُهُ الله ؟ فَقَالَ : أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ اليَقِينُ ، وَالله

إني لأَرْجُو لَهُ الخَيْرَ ، وَالله مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ الله مَا يُفْعَلُ بِي ؟ قَالَتْ : فَوَالله لاَ أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا ) ([2]) .

وعند مسلم من حديث أبي هريرة t أأن سعد بن عبادة t قال : ( يَا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ

الرَّجُلَ يَجِدُ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً أَيَقْتُلُهُ ؟ قَالَ رَسُولُ الله : لاَ ، قَالَ سَعْدٌ : بَلَى والذي أَكْرَمَكَ بِالحَقِّ ، فَقَالَ رَسُولُ الله : اسْمَعُوا إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ ) ([3]) ، واسم الله الكريم يدل باللزوم على

الحياة والقيومية ، والغنى والصمدية ، والعلو والفوقية ، والسعة والأحدية ، وغير ذلك

من صفات الكمال ، والاسم دل على صفة من صفات الذات والأفعال .

 

الكريم صفة مشبهة للموصوف بالكرم ، والكرَم نقيض اللؤم يكون في الرجل بنفسه

وإِن لم يكن له آباء ، ويستعمل في الخيل والإِبل والشجر وغيرها ، كرُمَ الرجل كرَما

وكَرَامة فهو كَرِيم وكرِيمة وجمع الكَرِيم كرَماء ، والكريم هو الشيء الحسن النفيس

الواسع السخي ، والفرق بين الكريم والسخي أن الكريم هو كثير الإحسان بدون طلب

والسخي هو المعطى عند السؤال ، والكرم السعة والعظمة والشرف والعزة والسخاء عند العطاء ([4]) ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث أبي هريرة t أن رَسُولُ الله قال : ( الْمُؤْمِنُ غِرّ كَرِيمٌ وَالْفَاجِرُ خِبٌّ لَئِيمٌ ) ([5]) .

والله سبحانه هو الكريم الواسع في ذاته وصفاته وأفعاله ، من سعته وسع كرسيه

السماوات والأرض ، كما قال : } وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا

وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ { [البقرة:255] ، ووصف عرشه بالكرم فقال : } فَتَعَالَى الله الْمَلِكُ الْحَقُّ

لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ { [المؤمنون:116] ، وهو الكريم له المجد والعزة والرفعة

والعظمة والعلو والكمال فلا سميَّ له كما قال : } رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا

فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً { [مريم:65] ، وهو الذي كرم الإنسان لما حمل

الأمانة وشرفه واستخلفه في أرضه وأستأمنه في ملكه وفضله على كثير من خلقه كما

قال : } وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى

كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً { [الإسراء:70] ، وهو الذي بشر عباده المؤمنين بالأجر الكريم

الواسع ، والمغفرة الواسعة ، والرزق الواسع قال تعالى : } أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقا لَهُمْ

دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ { [الأنفال:4] ، وهو الجواد المعطي الذي لا ينفد

عطاؤه ولا ينقطع سحاؤه ، الذي يعطي ما يشاء لمن يشاء وكيف يشاء بسؤال وغير

سؤال ، وهو الذي لا يمن إذا أعطى فيكدر العطية بالمن ، وهو سبحانه يعفو عن الذنوب ويستر العيوب ويجازي المؤمنين بفضله ويجازي المعرضين بعدله ([6]) .

 

 



(1)       مسلم في الجنائز ، باب الدعاء للميت 2 /662 (963) .

(2)       البخاري في الجنائز ، باب الدخول على الميت 1/419 (1186) .

(3)       مسلم في اللعان 2/1135 (1498) .

(1)       لسان العرب 12/510 ، والمفردات ص707.

(2)       الترمذي في البر والصلة ، باب ما جاء في البخيل4/344 (1964) ، وانظر حكم الألباني على الحديث

في الأدب المفرد حديث رقم (418) ، ومعنى غر كريم أي ليس بذي مكر فهو ينخدع لانقياده ولينه وهو ضد

الخب هو المخادع الذي يسعى بين الناس بالفساد ، انظر عون المعبود 13/102 .

(3)       انظر تفسير الطبري 19/104 ، والمفردات ص 707 ، والأسماء والصفات للبيهقي ص73 .