المحسن :
الاسم يدل على ذات الله وعلى صفة الإحسان بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها
بالتضمن وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، قال تعالى : } خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالحَقِّ
وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ المَصِيرُ { [التغابن:3] ، وقال : } الذِي أَحْسَنَ كُل
شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ { [السجدة:7] ، وقال : } ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلقا
آخَرَ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخَالِقِينَ { [المؤمنون:14] ، وقال عن يوسف u : } قَالَ مَعَاذَ
الله إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ { [يوسف:23] ، وقال عن قوم قارون
لما خرج عليهم في زينته : } وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ الله الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا
وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ { [القصص:77] ، والاسم يدل باللزوم على الحياة
والقيومية والسمع والبصر والعلم والقدرة والغني والعزة واللطف والرحمة والكرم والرأفة ،
وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله المحسن دل على صفة من صفات الذات إن
كان مشتقا من الفعل اللازم ، وإن كان من أحسن المتعدي فهو من صفات الأفعال .
المحسن في اللغة اسم فاعل ، فعله أحسن يحسن إحسانا فهو محسن ، والحسْنُ ضدُّ القُبْح ،
وحَسَّن الشيء تحسِينا زينه ، وأحْسَنَ إليه وبه صنع له وبه معروفا ، وهو يحسن الشيء أي
يعلمه بخبره ، واستحسن الشيء رغب فيه وتعلق به واعتبره حَسَنا ، والحُسْنَى البالغة
الحسن في كل شيء من جهة الكمال والجمال ، كما قال تعالى : } لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا
الْحُسْنَى وَزِيَادَة { [يونس:26] ، فالحسْنى الجنة والزّيادة النظر إلى وجه الله تعالى يوم
القيامة ، فسرها بذلك رسول الله والصحابة من بعده ([1]) .
وقوله عز وجل : } وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ
الْوُثْقَى { [لقمان:22] ، والمحسن في الشرع هو الذي بلغ درجة الإحسان ، والإحسان
فسره النبي كما جاء عن عمر t : ( الإِحْسَان أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لمْ تَكُنْ
تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ) ، وقال تعالى : } إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ { [النحل:90] ، قيل
: أَراد بالإِحسان الإِخْلاص وهو شرط في صحةِ الإِيمان والإِسلام معا ، وقيل : أَراد
بالإِحسان الإِشارةَ إلى المراقبة وحُسْن الطاعة فإِن مَنْ راقَب اللهَ أَحسَن عمَله ، والمعنى
يشمل الاثنين معا ([2]) .
والمحسن سبحانه هو الذي له كمال الحسن في أسمائه وصفاته وأفعاله ، كما قال تعالى في
كتابه : } اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى { [طه:8] ، فلا شيء أكمل ولا أجمل
من الله ، فكل كمال وجمال في المخلوق من آثار صنعته ، وهو الذي لا يحد كماله ولا
يوصف جلاله ، ولا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه ، ليس
في أفعاله عبث ولا في أوامره سفه ، بل أفعاله كلها لا تخرج عن الحكمة والمصلحة والعدل
والفضل والرحمة ، إن أعطى فبفضله ورحمته وإن منع أو عاقب فبعدله وحكمته ، وهو
الذي أحسن كل شيء خلقه فأتقن صنعه وأبدع كونه وهداه لغايته ، وأحسن إلى خلقه
بعموم نعمه وشمول كرمه وسعة رزقه على الرغم من مخالفة أكثرهم لأمره ونهيه ، وأحسن
إلي المؤمنين فوعدهم الحسني وعاملهم بفضله ، وأحسن إلى من أساء فأمهله ثم حاسبه بعدله
([3]) .
No comments:
Post a Comment