الحفيظ :
اسم الله الحفيظ يدل على ذات الله وعلى صفة الحفظ ، والحفيظ
على تقدير معنى العلم والإحاطة بكل شيء فإنه يدل على صفة
من صفات الذات كقوله تعالى : } إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ
{ [هود:57] ، وعلى تقدير معنى الرعاية والتدبير فإنه يدل على
صفة فعل كقوله : } فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلغَيْبِ بِمَا حَفِظَ
الله { [النساء:34] ، وقوله سبحانه : } وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ
شَيْطَانٍ رَجِيمٍ { [الحجر:17] ، وقوله : } وَسِعَ كُرْسِيُّهُ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا { [البقرة:255] ، وعند
مسلم من حديث أبي قتادة t أن النبي قال له : (حَفِظَكَ الله
بِمَا حَفِظْتَ بِهِ نَبِيَّهُ ) ([1]) ، وعند الترمذي وصححه الألباني
من حديث ابن عباس t أن رسول الله قال له : ( احْفَظِ الله
يَحْفَظْكَ احْفَظِ الله تَجِدْهُ تُجَاهَكَ .. الحديث ) ([2])، وعند أبي
داود وصححه الألباني من حديث ابن عمر t أن النبي قال : (
اللهمَّ احفظني مِنْ بَيْنِ يدي ، وَمِنْ خلفي ، وَعَنْ يميني ، وَعَنْ
شمالي وَمِنْ فَوْقِي ، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ
تحتي ) ([3]).
وروى الحاكم في المستدرك وحسنه الألباني من حديث ابن
مسعود t : ( اللهم احفظني بالإسلام قائما واحفظني بالإسلام
قاعدا واحفظني بالإسلام راقدا ) ([4]) ، واسم الله الحفيظ يدل
باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر والعلم والقدرة
والقوة والعزة وغير ذلك من صفات الكمال ، والاسم دل على
صفة من صفات الذات والأفعال .
الحفيظ في اللغة مبالغة من اسم الفاعل الحافظ فعله حفِظ يحفَظُ
حِفْظا ، وحِفظ الشيء صيانته من التلف والضياع ، ويستعمل
الحفظ في العلم على معنى الضبط وعدم النسيان ، أو تعاهُد
الشيء وقلة الغفلة عنه ، ورجل حافظ وقوم حُفاظ هم الذين
رُزِقوا حِفظ ما سَمِعوا وقلما يَنْسَوْن شيئا ، والحافِظ والحفِيظ
أيضا هو الموكل بالشيء يَحْفَظه ، ومنه الحفظة من الملائكة كما
في قوله تعالى : } لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ
مِنْ أَمْرِ اللهِ { [الرعد:11] ، أي تحفظ الأنفس بأمر الله حتى
يأتي أجلها وكذلك الحفظة الذين يُحْصُونَ الأعمال ويكتبونها على
بني آدم ، كما قال تعالى في وصفهم : } وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ
كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ { [الانفطار:12] ، ويقال حفظ
المال والسِّرَّ حفظا رَعاه وصانه ، واحتفظ الشيءَ لنفسه يعني
خَصَّها به والتحفظ قلة الغَفلة في الأُمور والكلام ([5]) .
والحفيظ سبحانه هو العليم المهيمن الرقيب على خلقه ، لا يَعْزُب
عنه مِثقالُ ذرّة في ملكه ، وهو الحفيظ الذي يحفظ أعمال
المكلفين ، والذي شرف بحفظها الكرام الكاتبين ، يدونون على
العباد القول والخطرات ، والحركات والسكنات ، ويضعون
الأجر كما حدد لهم بالحسنات والسيئات ، وهو الحفيظ الذي
يحفظ عليهم أسماعهم وأبصارهم وجلودهم لتشهد عليهم يوم اللقاء
([6]) ، وهو الحفيظ لمن يشاءُ من الشَّرِّ والأذى والبلاء ، ومنه
الدعاء الذي رواه أبو داود وصححه الألباني من حديث ابن عمر
t أن رسول الله قال : ( اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَ ، وَمِنْ
خَلْفِي ، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي ، وَمِنْ فَوْقِي ، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ
أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي ) ([7]) .
والحفيظ أيضا هو الذي يحفظ أهل التوحيد والإيمان ، ويعصمهم
من الهوى وشبهات الشيطان ، ويحول بين المرء وقلبه من
الوقوع في العصيان ، ويهيأ الأسباب لتوفيقه إلى الطاعة
والإيمان ، ويشهد لمثل هذه المعاني ما ثبت من حديث ابن
مسعود t أن النبي كان يدعو : ( اللهم احفظني بالإسلام
قائما ، واحفظني بالإسلام قاعدا واحفظني بالإسلام راقدا ، ولا
تشمت بي عدوا حاسدا ، اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه
بيدك ، وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك ) ([8]) .
والحفيظ أيضا هو الذي حفِظ السماواتِ والأرضَ بقدرته ، قال
تعالى : } وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا
وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ { [البقرة:255] ، فالله حفيظ لمخلوقاته
يبقيها على حالها لغاياتها ، وينظم ترابط العلل بمعلولاتها ، وهو
سبحانه يحفظ الأشياء بذواتها وصفاتها ، وقد ذكر أبو حامد
الغزالي أن الحفظ في ذلك على وجهين :
الوجه الأول : إدامة وجود الموجودات وإبقاؤها ، ويضاده
الإعدام ، والله تعالى هو الحافظ للسماوات والأرض والملائكة
والموجودات التي يطول أمد بقائها والتي لا يطول أمد بقائها ،
مثل الحيوانات والنبات وغيرهما .
الوجه الثاني : أن الحفظ صيانة المتقابلات المتضادات بعضها
عن بعض ، كالتقابل بين الماء والنار ، فإنهما يتعاديان بطباعهما
، فإما أن يطفئ الماء النار ، وإما أن تحيل النار الماء إلى بخار
، وقد جمع الله عز وجل بين هذه المتضادات المتنازعة في سائر
العناصر والمركبات ، وسائر الأحياء كالإنسان والنبات والحيوان
، ولولا حفظه تعالى لهذه الأسباب وتنظيم معادلاتها ، وارتباط
العلل بمعلولاتها ، لتنافرت وتباعدت وبطل امتزاجها واضمحل
تركيبها ، وهذه هي الأسباب التي تحفظ الإنسان من الهلاك
وتؤمن له بحفظ الله الحياة ([9]) .
(2) الترمذي في صفة القيامة 4/667 (2516) .
(3) أبو داود في الأدب ، باب ما يقول إذا أصبح4/318 (5074) .
(2) انظر هذه المعاني في زاد المسير لابن الجوزي 2/142، وتفسير أسماء الله الحسنى ص48 ، واشتقاق أسماء الله
للزجاج ص146 .
No comments:
Post a Comment