العفو :
العفو من أسماء الله يدل على ذات الله وعلى صفة العفو بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى صفة العفو بدلالة التضمن ، قال تعالى في دلالة الاسم على الوصف : } وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ { [الشورى:30] ، وقال : } وَهُوَ الذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ { [الشورى:25] ، وقال : } ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلكُمْ تَشْكُرُونَ { [البقرة:52] ، وقال عن بني إسرائيل : } ثُمَّ اتَّخَذُوا العِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلطَاناً مُبِيناً { [النساء:153] ، فالعفو سبحانه هو المتصف بالعفو ، واسم الله العفو يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر ، والحلم والعلم والقدرة ، والعدل واللطف والرحمة ، وغير ذلك من أوصاف الكمال ، والاسم دل على صفة من صفات الأفعال .
العَفوُّ في اللغة على وزن فعُول من العَفوِ ، وهو من صيغ المبالغةِ ، يقال : عَفا يَعْفو عَفوا فهو عاف وعَفوٌّ ، والعفو هو التجاوُزُ عن الذنب وتَرْك العِقاب عليه ، وأَصله المَحْوُ والطمْس ، مأْخوذ من قولهم عَفَت الرياحُ الآثارَ إِذا دَرَسَتْها ومَحَتْها ، وكل من اسْتَحقَّ عندك عُقوبة فتَرَكتَها فقد عَفَوْتَ عنه ([1]) ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو t قال : ( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ S فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ كَمْ نَعْفُو عَنِ الْخَادِمِ ؟ فَصَمَتَ ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ الْكَلاَمَ ، فَصَمَتَ ، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ قَالَ : اعْفُوا عَنْهُ فِي كُل يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّة ) ([2]) ، فالعفو هو ترك الشيء وإزالته ، وقوله تعالى : } عَفَا الله عَنْكَ َ{ [التوبة:43] ، أي مَحا الله عنك هذا الأمر وغفر لك .
والعفو يأتي أيضا على معنى الكثرة والزيادة ، فعَفوُ المالِ هو ما يَفضُل عن النَّفقة كما في قوله تعالى : } وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ { [البقرة:219] ، وعَفا القوم كثرُوا وعَفا النَّبتُ والشَّعَرُ وغيرُه يعني كثرَ وطال ، ومنه الأَمَرَ بإِعْفاءِ اللحَى ([3]) .
والعفوُّ سبحانه هو الذي يحب العفو والستر ، ويصفح عن الذنوب مهما كان شأنها ، ويستر العيوب ولا يحب الجهر بها ، يعفو عن المسيء كَرَمًا وإحسانًا ، ويفتح واسع رحمته فضلا وإنعاما ، حتى يزول اليأس من القلوب ، وتتعلق في رجائها بمقلب القلوب ([4]) ، قال القرطبي : ( العفو عفو الله جل وعز عن خلقه ، وقد يكون بعد العقوبة وقبلها بخلاف الغفران فإنه لا يكون معه عقوبة البتة ، وكل من استحق عقوبة فتركت له فقد عفي عنه ، فالعفو محو الذنب ) ([5]) .
والمقصود بمحو الذنب محو الوزر الموضوع على فعل الذنب فتكون أفعال العبد مخالفات أو كبائر ومحرمات ثم بالتوبة الصادقة يبدل الله سيئاته حسنات ، قال تعالى : } إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً { [الفرقان:70] فتمحى السيئات عفوا وتستبدل بالحسنات ، أما الأفعال فهي في كتاب العبد حتى يلقي ربه فيدنيه منه ويعرفه بذنبه وسوء فعله ثم يسترها عليه ، كما ورد عند البخاري من حديث عبد الله بن عمر t أن رسول الله S قال : ( إِنَّ اللَّهَ يُدْنِى الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ : أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ أَيْ رَبِّ ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ : سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ : هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ ، أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ ) ([6]) ، فالوزر أو عدد السيئات هو الذي يعفى ويمحى من الكتاب ، أما الفعل ذاته المحسوب بالحركات والسكنات أو مقياسه في مثقال الذرات فهذا على الدوام مسجل مكتوب ، ومرصود محسوب بالزمان والمكان ، ومقدار الإرادة والعلم والاستطاعة ، قال تعالى : } وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً { [الكهف:49] ([7]) .
No comments:
Post a Comment