Friday, April 29, 2011

أسماء الله الحسنى - الخالق

13

 

 

 

 

 

 

الخالق :

اسم الله الخالق يدل على ذات الله وعلى صفة الخالقية بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، قال تعالى :   }   قَالَ كَذَلِكِ الله يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ   {   [آل عمران:47] ، وقال :   }   لِلهِ مُلكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ   {   [الشورى:49] ، وقال :  } وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ { [القصص:68] ، واسم الله الخالق يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر والعلم ، والمشيئة والحكمة والقدرة ، والغنى والقوة والعزة وغير ذلك من الصفات الذاتية والفعلية ، ولما وصف الله نفسه بالخالقية فقال : } الله الذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ { ، قال بعدها : } لِتَعْلَمُوا أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلماً { [الطلاق:12] ، واسم الله الخالق دل على صفة من صفات الأفعال :

الخالق في اللغة اسم فاعل فعله خلق يخلق خلقا ، والخلق مصدر من الفعل خلق ومنه قوله : } الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِنْ طِينٍ { [السجدة:7] ، ويأتي الخَلق أيضا بمعنى المخلوق ، ومنه قوله تعالى : } هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ { [لقمان:11] ([1]) ، والخلق أصله التقدير المستقيم ويستعمل في إبداع الشيء من غير أصل ولا احتذاء وفي إيجاد الشيء من الشيء ([2]) .

والخلق قد يأتي أيضا بمعنى الكذب على اعتبار أن الذي يكذب يؤلف وينشئ كلاما لا يطابق الحقيقة ، ومن ذلك قوله : } إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكا { [العنكبوت:17] ، وقوله : } إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأَوَّلِينَ { [الشعراء:137] ([3]).

والخالق في أسماء الله هو الذي أوْجد جميعَ الأشياء بعد أن لم تكنْ مَوْجُودة وقدر أمورها في الأزل بعد أن كانت معدومة ، والخالق أيضا هو الذي ركب الأشياء تركيبا ورتبها بقدرته ترتيبا ، فمن الأدلة على معنى الإنشاء والإبداع وإيجاد الأشياء من العدم قوله تعالى : } يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ { [فاطر:3] ومن الأدلة على معنى التركيب والترتيب الذي يدل عليه اسمه الخالق قوله تعالى : } ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ { [المؤمنون:14] ، وخلاصة ما ذكره العلماء في معنى الخالق أنه من التقدير وهو العلم السابق ، أو القدرة على الإيجاد والتصنيع والتكوين ([4]) .

 والحقيقة أن معنى الخالق قائم عليهما معا ، لأن حدوث المخلوقات مرتبط عند السلف بمراتب القدر ، فكل مخلوق مهما عظم شأنه أو دق حجمه لا بد أن يمر بأربع مراتب ، وهي علم الله السابق وتقدير كل شيء قبل تصنيعه وتكوينه ، وتنظيم أمور الخلق قبل إيجاده وإمداده ، وهو علم التقدير وحساب المقادير ، ثم بعد ذلك مرتبة الكتابة وهي كتابة المعلومات وتدوينها بالقلم في كلمات ، فالله كتب ما يخص كل مخلوق في اللوح المحفوظ ؛ كتب فيه تفصيل خلقه وإيجاده وما يلزم لنشأته وإعداده ثم هدايته وإمداده وجميع ما يرتبط بتكوينه وترتيب حياته ، ثم بعد ذلك المرتبة الثالثة من مراتب القدر وهي مرتبة المشيئة فليس في الكون مشيئة عليا إلا مشيئة الله ، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، والمسلمون من أولهم إلى آخرهم مجمعون على ذلك ، ثم تأتي المرتبة الرابعة من مراتب القدر وهي مرتبة خلق الأشياء وتكوينها وتصنيعها وتنفيذها وفق ما قدر لها بمشيئة الله في اللوح المحفوظ ، قال ابن القيم : ( مراتب القضاء والقدر التي من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقضاء والقدر أربع مراتب : المرتبة الأولى علم الرب سبحانه بالأشياء قبل كونها ، المرتبة الثانية كتابته لها قبل كونها ، المرتبة الثالثة مشيئته لها ، والرابعة خلقه لها ) ([5]) ، فالله سبحانه خالق كل شيء تقديرا وقدرة ، ومراتب القدر هي المراحل التي يمر بها المخلوق من كونه معلومة في علم الله إلى أن يصبح واقعا مخلوقا مشهودا .



(1)    اشتقاق أسماء الله ص166 ، لسان العرب 2/1244.

(2)    مفردات ألفاظ القرآن ص 296 .

(3)    اشتقاق أسماء الله ص167 .

(4)    المقصد الأسنى ص72 ، وتفسير أسماء الله للزجاج ص36 ، وشرح أسماء الله الحسنى للرازي ص211 .

(1)       انظر تفصيل هذه المراتب والدليل عليها في شفاء العليل ص 29 وما بعدها .

.

 

 

No comments:

Post a Comment