Tuesday, June 14, 2011

أسماء الله الحسنى - الوارث

 

الوارث :

اسم الله الوارث يدل على ذات الله وعلى صفة الوراثة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ،  قال تعالى : } وَلِلهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ { [آل عمران:180] ، وقال : } وَمَا لَكُمْ أَلا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ { [الحديد:10] ، وهاتان الآيتان أقرب في الدلالة على صفة الذات ، فاسم الله الوارث إن كان تقدير معناه الباقي الدائم الذي يؤول إليه الإرث دل على وصف ذات ، وإن كان معناه الوارث لجميع الأشياء بعد زوال من شاء من خلقه ، أو توريث من شاء ما شاء في ملكه دل على وصف فعل قال تعالى : } وَقَالُوا الحَمْدُ لِلهِ الذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ العَامِلِينَ { [الزمر:74] ، وقال : } وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرائيلَ الكِتَابَ { [غافر:53] ، وقال سبحانه : } قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِالله وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ { لأعراف:128] ، والنصوص في ذلك كثيرة ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والقوة والأحدية ، والقدرة والصمدية ، والكبرياء والعزة ، والملك والعظمة ، وغير ذلك من أوصاف الكمال .

الوارث اسم فاعل للموصوف بالوراثة من غيره ، يقال : ورث فلان أباه يرثه وراثة وميراثا ، وورث الرجل ولده مالا أي أشركه في ماله ، والوراثة في حقنا انتقال المال أو الملك من المتقدم إلى المتأخر ، ومنه وارث مال الميت الذي يملك تركته ، ووارث الملك يرث سلطانه ([1]) .

والوارث سبحانه هو الباقي الدائم بعد فناء الخلق ، قال ابن منظور : ( الوارث صفة من صفات الله عز وجل وهو الباقي الدائم الذي يرث الخلائق ويبقى بعد فنائهم والله عز وجل يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين ، أي يبقى بعد فناء الكل ويفنى من سواه ، فيرجع ما كان ملك العباد إليه وحده لا شريك له ) ([2]) .

 وإذا كان الخلائق يتعاقبون على الأرض فيرث المتأخر المتقدم ، ويرث الولد والده والزوج زوجته وهكذا يستمر التوارث حتى ينقطع حبل الحياة في الدنيا ، فإنه لا يبقى إلا مالك الملك الوارث الكبير ، قال تعالى : } وَلِلهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ { [آل عمران:180] ، فالوارث سبحانه هو الباقي بعد فناء الخلق أو الوارث لجميع الأشياء بعد فناء أهلها ، والوارث أيضا هو الذي أورث المؤمنين ديار الكافرين في الدنيا كما قال تعالى : } وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تطَئُوها وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرا { [الأحزاب:27] ، وكذلك أورث المؤمنين مساكنهم في الجنة فجعل لهم البقاء مخلدين فيها كما قال : } وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ { [الزمر:74] ، وقال : } تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً { [مريم:63] ، وتوريث المؤمنين الجنة لا يعني أنها تشارك الله في البقاء والإرث ، لأن خلد الجنة وأهلها إلى ما لا نهاية إنما هو بإبقاء الله وإرادته فبقاء المخلوقات ليس من طبيعتها ولا من خصائصها الذاتية ، بل من طبيعتها جميعا الفناء ، أما بقاء الله ودوامه وميراثه وسائر أوصافه فهي باقية ببقائه ملازمة لذاته سبحانه وتعالى ، لأن البقاء صفة ذاتية له فهو الوارث لجميع الخلائق في الدنيا والآخرة .

 



(1)       لسان العرب 2/199 ، وكتاب العين 8/234 ، والمغرب للمطرزي 2/349  .

(2)       السابق 2/199 .

No comments:

Post a Comment