Sunday, June 19, 2011

أسماء الله الحسنى - الجواد

 

الجواد :

الاسم يدل على ذات الله وعلى صفة الجود بدلالة المطابقة ، وقد ورد الوصف في

حديث ضعيف رواه البيهقي من حديث أنس بن مالك  أن رسول الله قال : ( هل

تدرون من أجود جودا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : الله تعالى أجود جودا ، ثم أنا

أجود بني آدم ، وأجودهم من بعدي رجل علم علما فنشره يأتي يوم القيامة أميرا وحده ، أو قال أمة وحده ) ([1]) ، قال ابن القيم :

وهو الجواد فجوده عم الوجود جميعه بالفضل والإحسان

وهو الجواد فلا يخيب سائلا ولو أنه من أمة الكفران ([2]) .

واسم الله الجواد يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسمع والبصر ، والعلم

والقدرة ، والغنى والعزة ، والجلال والقوة ، وغير ذلك من أوصاف الكمال ،

والاسم دل على صفة من صفات الذات إن كان تقدير معناه اتصاف الله بالحسن

الذاتي والكمال الإلهي ، ووصف فعل إن كان تقدير معناه الإفاضة بالنعم على

الخلائق .

 

الجواد في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالجود ، فعله جادَ يَجود جَوْدة ، والجَيِّد

نقيض الرديء ، وقد جاد جَوْدة وأَجاد يعني أَتى بالجَيِّد من القول أَو الفعل ، والجود

هو الكرم ، ورجل جَواد يعني سخي كثير العطاء ، والجود من المطر هو الذي لا

مطر فوقه في الكثرة ، وفلان يَجُود بنفسه أَي يخرجها ويدفعها كما يدفع الإِنسان

ماله ويجود به ، وعند البخاري من حديث أسامة بن زيد t   قَالَ : ( كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ إِذْ

جَاءَهُ رَسُولُ إِحْدَى بَنَاتِهِ .. أَنَّ ابْنَهَا يَجُودُ بِنَفْسِهِ ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا : لِلَّهِ مَا أَخَذَ ، وَلِلَّهِ مَا أَعْطَى  كُلٌّ بِأَجَلٍ فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ ) ([3]) ، والذي يجود بنفسه عند الموت لا دخل له في

إخراج الروح أو إبقائها ، وإنما ذلك لله عز وجل الذي يأمر ملائكته باستخراجها ،

ولكن عبر بأنه يجود بنفسه تكريما له إذ لا حيلة في دفع الموت ، أو لرضاه بقدر الله

واستعداده للقائه ورغبته في أن يلقى الله مؤمنا ، كما في حديث عمران بن حصين في

المرأة الجهنية التي رجمت بحد الزنا قال S : ( وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا للهِ تَعَالَى ) ([4]) ، فالجود سهولة البذل والإنفاق وتجنب ما لا يحمد من الأخلاق ويكون بالعبادة والصلاح وبالسخاء والسماح ([5]) .

والجواد أيضا جمع جادة والجادة الطريق الممهد ، أو سواء الطريق ووسطه ، أو

الطريق الأعظم التي تجتمع الطرق عليه كما ورد عند مسلم من حديث عبد الله بن

سلام t أنه قال : ( بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلٌ فَقَالَ لِي : قُمْ ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ قَالَ

فَإِذَا أَنَا بِجَوَادَّ عَنْ شِمَالِي ، قَالَ : فَأَخَذْتُ لآخُذَ فِيهَا فَقَالَ لِي : لاَ تَأْخُذْ فِيهَا فَإِنَّهَا طُرُقُ

أَصْحَابِ الشِّمَالِ ، قَالَ : فَإِذَا جَوَادُّ مَنْهَجٌ عَلَي يَمِيِنِي فَقَالَ لِي : خُذْ هَا هُنَا ، فَأَتَيْتُ

النَّبِيفَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ ، فَقَالَ ، أَمَّا الطُّرُقُ الَّتِي رَأَيْتَ عَنْ يَسَارِكَ فَهِي طُرُقُ أَصْحَابِ الشِّمَالِ وَأَمَّا الطُّرُقُ الَّتِي رَأَيْتَ عَنْ يَمِينِكَ فَهِي طُرُقُ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ) ([6]) .

والجواد سبحانه هو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته ، الذي ينفق على خلقه بكثرة

جوده وكرمه ، وفضله ومدده ، فلا تنفد خزائنه ، ولا ينقطع سحاؤه ، ولا يمتنع

عطاؤه ، روى البخاري من حديث أَبِي هريرة t أن رسول الله S قال : ( يَدُ اللهِ

مَلأَى لاَ يَغِيضُهَا نَفَقَة سَحَّاء الليْلَ وَالنَّهَارَ ، أرَأيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذ خَلقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا في يَدهِ ) ([7]) ، وهو سبحانه من فوق عرشه عليم بموضع جوده في

خلقه ، فلا يعطي إلا بمقتضى عدله وحكمته ، وما يحقق مصلحة الشيء وغايته ،

ولذلك جاء عقب ذكر جوده ونفقته : ( عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ وَبِيَدِهِ الأخْرَى المِيزَان يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ ) ([8])  .

وهو الذي يهدي عباده أجمعين إلى جادة الحق المبين ، هداهم سبل الشرائع

والأحكام وتمييز الحلال من الحرام ، وبين لهم أسباب صلاحهم في الدنيا والآخرة

ودعاهم إلى عدم إيثار الدنيا على الآخرة ، قال تعالى : } وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ

وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ { [يونس:25] ، وقال سبحانه : } إِنِّي تَوَكَّلْتُ

عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {

[هود:56] .

ويذكر ابن القيم أن الجواد سبحانه هو الذي له الجود كله ، وجود جميع الخلائق

في جنب جوده أقل من ذرة في جبال الدنيا ورمالها ، فمن رحمته سبحانه بعباده أنه

ابتلاهم بالأوامر والنواهي رحمة وحمية ، لا حاجة منه إليهم بما أمرهم به فهو الغني

الحميد ، ولا بخلا منه عليهم بما نهاهم عنه فهو الجواد الكريم ، ومن رحمته أن

نغص عليهم الدنيا وكدرها لئلا يسكنوا إليها ولا يطمئنوا إليها ، ويرغبوا في النعيم

المقيم في داره وجواره ، فساقهم إلى ذلك بسياط الابتلاء والامتحان ، فمنعهم

ليعطيهم وابتلاهم ليعافيهم ، وأماتهم ليحييهم ، ومن رحمته بهم أن حذرهم نفسه

لئلا يغتروا به فيعاملوه بما لا تحسن معاملته به ، كما قال تعالى : } وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ

نَفْسَهُ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ { [آل عمران:30] ، قال غير واحد من السلف : من رأفته بالعباد حذرهم من نفسه لئلا يغتروا به ([9]) .

 

 

(1)       انظر توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم لأحمد بن إبراهيم

2/229.

(2)       شعب الإيمان 2/281 (1767) ، ومشكاة المصابيح (259) ، وضعيف الترغيب والترهيب

(851) .

(1)       البخاري في القدر ، باب وكان أمر الله قدرا مقدورا 6/2435 (6228) .

(1)       مسلم في الحدود ، باب من اعترف على نفسه بالزنى3/1324 (1696) .

(2)       لسان العرب 3/135 ، والنهاية في غريب الحديث 1/312 ، ومفردات ألفاظ القرآن 210 .

(3)       صحيح مسلم فضائل الصحابة باب من فضائل عبد الله بن سلام t 4/1931 (2484) .

(4)       البخاري في التوحيد ، باب قول الله تعالى لما خلقت بيدي 6/ 2697 (6976) ، باب معنى لا

يغيضها أي لا ينقصها نفقة ، ومعنى سحاء أي كثرة السح والعطاء وهو إنزال الخير المتواصل ، انظر فتح

الباري 13/ 395 .

(5)       تكملة الحديث السابق عند البخاري .

(1)       إغاثة اللهفان 2/157 .

No comments:

Post a Comment