الجواد :
الاسم يدل على ذات الله وعلى صفة الجود بدلالة المطابقة ، وقد ورد الوصف في
حديث ضعيف رواه البيهقي من حديث أنس بن مالك أن رسول الله قال : ( هل
تدرون من أجود جودا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : الله تعالى أجود جودا ، ثم أنا
أجود بني آدم ، وأجودهم من بعدي رجل علم علما فنشره يأتي يوم القيامة أميرا وحده ، أو قال أمة وحده ) ([1]) ، قال ابن القيم :
وهو الجواد فجوده عم الوجود جميعه بالفضل والإحسان
وهو الجواد فلا يخيب سائلا ولو أنه من أمة الكفران ([2]) .
واسم الله الجواد يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسمع والبصر ، والعلم
والقدرة ، والغنى والعزة ، والجلال والقوة ، وغير ذلك من أوصاف الكمال ،
والاسم دل على صفة من صفات الذات إن كان تقدير معناه اتصاف الله بالحسن
الذاتي والكمال الإلهي ، ووصف فعل إن كان تقدير معناه الإفاضة بالنعم على
الخلائق .
الجواد في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالجود ، فعله جادَ يَجود جَوْدة ، والجَيِّد
نقيض الرديء ، وقد جاد جَوْدة وأَجاد يعني أَتى بالجَيِّد من القول أَو الفعل ، والجود
هو الكرم ، ورجل جَواد يعني سخي كثير العطاء ، والجود من المطر هو الذي لا
مطر فوقه في الكثرة ، وفلان يَجُود بنفسه أَي يخرجها ويدفعها كما يدفع الإِنسان
ماله ويجود به ، وعند البخاري من حديث أسامة بن زيد t قَالَ : ( كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ إِذْ
جَاءَهُ رَسُولُ إِحْدَى بَنَاتِهِ .. أَنَّ ابْنَهَا يَجُودُ بِنَفْسِهِ ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا : لِلَّهِ مَا أَخَذَ ، وَلِلَّهِ مَا أَعْطَى كُلٌّ بِأَجَلٍ فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ ) ([3]) ، والذي يجود بنفسه عند الموت لا دخل له في
إخراج الروح أو إبقائها ، وإنما ذلك لله عز وجل الذي يأمر ملائكته باستخراجها ،
ولكن عبر بأنه يجود بنفسه تكريما له إذ لا حيلة في دفع الموت ، أو لرضاه بقدر الله
واستعداده للقائه ورغبته في أن يلقى الله مؤمنا ، كما في حديث عمران بن حصين في
المرأة الجهنية التي رجمت بحد الزنا قال S : ( وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا للهِ تَعَالَى ) ([4]) ، فالجود سهولة البذل والإنفاق وتجنب ما لا يحمد من الأخلاق ويكون بالعبادة والصلاح وبالسخاء والسماح ([5]) .
والجواد أيضا جمع جادة والجادة الطريق الممهد ، أو سواء الطريق ووسطه ، أو
الطريق الأعظم التي تجتمع الطرق عليه كما ورد عند مسلم من حديث عبد الله بن
سلام t أنه قال : ( بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلٌ فَقَالَ لِي : قُمْ ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ قَالَ
فَإِذَا أَنَا بِجَوَادَّ عَنْ شِمَالِي ، قَالَ : فَأَخَذْتُ لآخُذَ فِيهَا فَقَالَ لِي : لاَ تَأْخُذْ فِيهَا فَإِنَّهَا طُرُقُ
أَصْحَابِ الشِّمَالِ ، قَالَ : فَإِذَا جَوَادُّ مَنْهَجٌ عَلَي يَمِيِنِي فَقَالَ لِي : خُذْ هَا هُنَا ، فَأَتَيْتُ
النَّبِيفَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ ، فَقَالَ ، أَمَّا الطُّرُقُ الَّتِي رَأَيْتَ عَنْ يَسَارِكَ فَهِي طُرُقُ أَصْحَابِ الشِّمَالِ وَأَمَّا الطُّرُقُ الَّتِي رَأَيْتَ عَنْ يَمِينِكَ فَهِي طُرُقُ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ) ([6]) .
والجواد سبحانه هو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته ، الذي ينفق على خلقه بكثرة
جوده وكرمه ، وفضله ومدده ، فلا تنفد خزائنه ، ولا ينقطع سحاؤه ، ولا يمتنع
عطاؤه ، روى البخاري من حديث أَبِي هريرة t أن رسول الله S قال : ( يَدُ اللهِ
مَلأَى لاَ يَغِيضُهَا نَفَقَة سَحَّاء الليْلَ وَالنَّهَارَ ، أرَأيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذ خَلقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا في يَدهِ ) ([7]) ، وهو سبحانه من فوق عرشه عليم بموضع جوده في
خلقه ، فلا يعطي إلا بمقتضى عدله وحكمته ، وما يحقق مصلحة الشيء وغايته ،
ولذلك جاء عقب ذكر جوده ونفقته : ( عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ وَبِيَدِهِ الأخْرَى المِيزَان يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ ) ([8]) .
وهو الذي يهدي عباده أجمعين إلى جادة الحق المبين ، هداهم سبل الشرائع
والأحكام وتمييز الحلال من الحرام ، وبين لهم أسباب صلاحهم في الدنيا والآخرة
ودعاهم إلى عدم إيثار الدنيا على الآخرة ، قال تعالى : } وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ
وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ { [يونس:25] ، وقال سبحانه : } إِنِّي تَوَكَّلْتُ
عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {
[هود:56] .
ويذكر ابن القيم أن الجواد سبحانه هو الذي له الجود كله ، وجود جميع الخلائق
في جنب جوده أقل من ذرة في جبال الدنيا ورمالها ، فمن رحمته سبحانه بعباده أنه
ابتلاهم بالأوامر والنواهي رحمة وحمية ، لا حاجة منه إليهم بما أمرهم به فهو الغني
الحميد ، ولا بخلا منه عليهم بما نهاهم عنه فهو الجواد الكريم ، ومن رحمته أن
نغص عليهم الدنيا وكدرها لئلا يسكنوا إليها ولا يطمئنوا إليها ، ويرغبوا في النعيم
المقيم في داره وجواره ، فساقهم إلى ذلك بسياط الابتلاء والامتحان ، فمنعهم
ليعطيهم وابتلاهم ليعافيهم ، وأماتهم ليحييهم ، ومن رحمته بهم أن حذرهم نفسه
لئلا يغتروا به فيعاملوه بما لا تحسن معاملته به ، كما قال تعالى : } وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ
نَفْسَهُ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ { [آل عمران:30] ، قال غير واحد من السلف : من رأفته بالعباد حذرهم من نفسه لئلا يغتروا به ([9]) .
No comments:
Post a Comment