الوارث :
اسم الله الوارث يدل على ذات الله وعلى صفة الوراثة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن
، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، قال تعالى : } وَلِلهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالله بِمَا
تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ { [آل عمران:180] ، وقال : } وَمَا لَكُمْ أَلا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ { [الحديد:10] ، وهاتان الآيتان أقرب في الدلالة على صفة الذات ،
فاسم الله الوارث إن كان تقدير معناه الباقي الدائم الذي يؤول إليه الإرث دل على وصف
ذات ، وإن كان معناه الوارث لجميع الأشياء بعد زوال من شاء من خلقه ، أو توريث من
شاء ما شاء في ملكه دل على وصف فعل قال تعالى : } وَقَالُوا الحَمْدُ لِلهِ الذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ
وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ العَامِلِينَ { [الزمر:74] ، وقال : } وَلَقَدْ آتَيْنَا
مُوسَى الهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرائيلَ الكِتَابَ { [غافر:53] ، وقال سبحانه : } قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ
اسْتَعِينُوا بِالله وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ { [الأعراف:128] ،
والنصوص في ذلك كثيرة ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والقوة والأحدية ،
والقدرة والصمدية ، والكبرياء والعزة ، والملك والعظمة ، وغير ذلك من أوصاف الكمال
الوارث اسم فاعل للموصوف بالوراثة من غيره ، يقال : ورث فلان أباه يرثه وراثة وميراثا
، وورث الرجل ولده مالا أي أشركه في ماله ، والوراثة في حقنا انتقال المال أو الملك من
المتقدم إلى المتأخر ، ومنه وارث مال الميت الذي يملك تركته ، ووارث الملك يرث سلطانه ([1]) .
والوارث سبحانه هو الباقي الدائم بعد فناء الخلق ، قال ابن منظور : ( الوارث صفة من
صفات الله عز وجل وهو الباقي الدائم الذي يرث الخلائق ويبقى بعد فنائهم والله عز وجل
يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين ، أي يبقى بعد فناء الكل ويفنى من سواه ، فيرجع ما كان ملك العباد إليه وحده لا شريك له ) ([2]) .
وإذا كان الخلائق يتعاقبون على الأرض فيرث المتأخر المتقدم ، ويرث الولد والده والزوج
زوجته وهكذا يستمر التوارث حتى ينقطع حبل الحياة في الدنيا ، فإنه لا يبقى إلا مالك
الملك الوارث الكبير ، قال تعالى : } وَلِلهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {
[آل عمران:180] ، فالوارث سبحانه هو الباقي بعد فناء الخلق أو الوارث لجميع الأشياء بعد
فناء أهلها ، والوارث أيضا هو الذي أورث المؤمنين ديار الكافرين في الدنيا كما قال تعال
ى : } وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تطَئُوها وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرا {
[الأحزاب:27] ، وكذلك أورث المؤمنين مساكنهم في الجنة فجعل لهم البقاء مخلدين فيها كما
قال : } وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ
الْعَامِلِينَ { [الزمر:74] ، وقال : } تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً { [مريم:63] ،
وتوريث المؤمنين الجنة لا يعني أنها تشارك الله في البقاء والإرث ، لأن خلد الجنة وأهلها إلى
ما لا نهاية إنما هو بإبقاء الله وإرادته فبقاء المخلوقات ليس من طبيعتها ولا من خصائصها
الذاتية ، بل من طبيعتها جميعا الفناء ، أما بقاء الله ودوامه وميراثه وسائر أوصافه فهي باقية
ببقائه ملازمة لذاته سبحانه وتعالى ، لأن البقاء صفة ذاتية له فهو الوارث لجميع الخلائق في
الدنيا والآخرة .
No comments:
Post a Comment