الحميد :
اسم الله الحميد يدل على ذات الله وعلى صفة الحمد ، قال الله تعالى : } وَهُوَ الله لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ { [القصص:70] ، وقال سبحانه : } فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الفُلكِ فَقُلِ الحَمْدُ لِلهِ الذِي نَجَّانَا مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ { [المؤمنون:28] ، وقال : } فَلِلهِ الحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ العَالَمِينَ { [الجاثية:36] ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة t أن رسول الله قال : ( مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ في يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ ) ([1]) ، وعند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( كَانَ النبي يَقُولُ في رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبْحَانَكَ اللهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ ، اللهُمَّ اغْفِرْ لي ) ([2]) .
واسم الله الحميد يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر والعلم والقدرة والغنى والحكمة والعزة والعظمة والعطاء والرحمة والكرم والسعة ، والجمال والكمال وغير ذلك من أوصاف الجلال ، واسم الله الحميد دل على صفة من صفات الذات .
الحميد في اللغة صيغة مبالغه على وزن فعيل بمعنى اسم المفعول وهو المحمود ، فعله حمد يحمد حمدا ، والحمد نقيض الذم بمعنى الشكر والثناء ، وهو المكافأة على العمل والحمد والشكر مُتَقاربان لكن الحمد أعَمُّ من الشكر , لأنّك تحمَد الإنسان على صِفاته الذَّاتِّية وعلى عطائه ولا تَشْكُره على صِفاته ([3]) .
قال الراغب : ( الحمد أخص من المدح وأعم من الشكر ، فإن المدح يقال فيما يكون من الإنسان باختياره ، وما يقال منه وفيه بالتسخير ، فقد يمدح الإنسان بطول قامته وصباحة وجهه ، كما يمدح ببذل ماله وسخائه وعلمه ، والحمد يكون في الثاني دون الأول ، والشكر لا يقال إلا في مقابلة نعمة ، فكل شكر حمد ، وليس كل حمد شكرا ، وكل حمد مدح وليس كل مدح حمدا ، ويقال فلان محمود إذا حمد ، ومحمد إذا كثرت خصاله المحمودة ) ([4]) .
والحميد سبحانه هو المستحق للحمد والثناء ، حمد نفسه فقال : } الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ { [الفاتحة:2] ، فهو سبحانه المحمود على ما خلق وشرع ، ووهب ونزع ، وضر ونفع ، وأعطى ومنع ، وعلا بذاته وشأنه فارتفع ، وأمسك السماء عن الأرض أن تقع وفرش الأرض فانبسط سهلها واتسع ، حمد نفسه وحمده الموحدون فله الحمد كله قال ابن القيم ا : ( الحمد كله لله رب العالمين .. فإنه المحمود على ما خلقه وأمر به ونهى عنه ، فهو المحمود على طاعات العباد ومعاصيهم وإيمانهم وكفرهم ، وهو المحمود على خلق الأبرار والفجار والملائكة وعلى خلق الرسل وأعدائهم ، وهو المحمود على عدله في أعدائه كما هو المحمود على فضله وإنعامه على أوليائه ، فكل ذرة من ذرات الكون شاهدة بحمده ، ولهذا سبح بحمده السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) ([5]) .
وروى البخاري من حديث عبد الله بن عباس t أن النبي S كان إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ : ( اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ ، لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ ، وَالنَّارُ حَقٌّ وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ ، وَمُحَمَّدٌ S حَقٌّ ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ .. الحديث ) ([6]) .
وكذلك فإن الله عز وجل هو الحميد الذي يحمده عباده الموحدون لأنهم يعلمون أن الله خلق الدنيا للابتلاء وخلق الآخرة للجزاء ، فهم يحمدونه على السراء والضراء ويوحدونه في العبادة والاستعانة والدعاء ، حتى يكرمهم بجنته عند اللقاء ، فإن ابتلاهم صبروا ، وإن أنعم عليهم شكروا ، ولذلك قال تعالى في وصفهم : } وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا الله { [الأعراف:43] ، وقال أيضا : } وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ { [فاطر:34] ([7]) .
قال ابن القيم في نونيته :
وهو الحميد فكل حمد واقع : أو كان مفروضا مدى الأزمان
ملأ الوجود جميعه ونظيره : من غير ما عد ولا حسبان
هو أهله سبحانه وبحمده : كل المحامد وصف ذي الإحسان ([8]) .
No comments:
Post a Comment