الرءوف :
اسم الله الرءوف يدل على ذات الله وعلى صفة الرأفة بدلالة المطابقة ، ولم أقف على
نص صحيح في التصريح بالوصف ، وقد ذكر الله تعالى أنه جعل الرأفة في قلوب بعض
عباده فقال : } وَجَعَلنَا فِي قُلُوبِ الذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً { [الحديد:27] ، والاسم يدل
باللزوم على الحياة والقيومية ، والعلم والرحمة واللطف والإحسان ، وغير ذلك من
أوصاف الكمال ، واسم الله الرءوف دل على صفة من صفات الأفعال .
الرءوف صيغة مبالغة من اسم الفاعل الرائف ، وهو الموصوف بالرأفة ، فعله رَأَفَ به
يَرْأَف رَأْفة ، والرأفة في حقنا هي امتلاء القلب بالرقة ، وهي أشد ما يكون من الرحمة ،
وقيل : بل شدة الرحمة ومنتهاها ، قال تعالى : } الزَّانِيَة وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ
جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ { [النور:2] ، يعني لا تنظروا بأي اعتبار يمكن أن
يمنحهم شيئا من الرحمة والرقة ، فلا ترحموهما فَتُسْقِطُوا عنهما ما أَمَرَ الله به من الحد ،
ويمكن القول أن الرحمة تسبق الرأفة ، فالرأفة هي المنزلة التي تعقبها يقال : فلان رحيم
فإذا اشتدت رحمته فهو رءوف ، فالرأفة آخر ما يكون من الرحمة ولذلك قدمت الرأفة
على الرحمة في وصف نبينا كما قال تعالى : } بِالْمُؤْمِنِينَ رءوف رَحِيمٌ { [التوبة:128] ، وذلك
على اعتبار أن الرأفة مبالغة في الرحمة ، والمبالغة في الرحمة تتعلق بخاصة المؤمنين ، أما
الرحمة في اسمه الرحمن فإنها تتعلق بالخلائق أجمعين ، فالأمر في الرأفة والرحمة على قدر
الولاية والإيمان وعلى حسب علو الهمة في عمل الإنسان وقد كانت رأفة النبي بأصحابه ما بعدها رأفة ([1]) .
والرءوف سبحانه هو الذي يتعطف على عباده المؤمنين بحفظ سمعهم وأبصارهم وحركاتهم
وسكناتهم في توحيده وطاعته وهذا من كمال الرأفة بالصادقين ، روى البخاري من
حديث أَبِى هُرَيْرَةَ t عن النبي في الحديث القدسي : ( وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ
إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ
الذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ التِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ التِي يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي
لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ) ([2]).
وكذلك الرءوف يدل على معنى التعطف على عباده المذنبين ، فيفتح لهم باب التوبة ما لم
تغرغر النفس أو تطلع الشمس من مغربها ، فقد روى مسلم من حديث أبي هريرة t أن رسول الله قال : ( مَنْ تَابَ قَبْل أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللهُ عَليْه ) ([3]) ، وعنده أيضا
من حديث أَبِي مُوسَى الأشعري t أنِ النَّبِيِّ قَال : ( إِن اللهَ عَزَّ وَجَل يَبْسُطُ يَدَهُ بِالليْل ليَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ ليَتُوبَ مُسِيء الليْل حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ) ([4]) ،
والرءوف أيضا هو الذي يخفف عن عباده فلا يكلفهم ما يشق عليهم أو يخرج عن وسعهم
وطاقتهم ، قال تعالى : } يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً { [النساء:28] ، وقال : } لا يُكَلفُ اللهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا { [البقرة:286] ([5]) .
No comments:
Post a Comment