Wednesday, June 29, 2011

أسماء الله الحسنى - الرءوف

 

الرءوف :

اسم الله الرءوف يدل على ذات الله وعلى صفة الرأفة بدلالة المطابقة ، ولم أقف على

نص صحيح في التصريح بالوصف ، وقد ذكر الله تعالى أنه جعل الرأفة في قلوب بعض

عباده فقال : } وَجَعَلنَا فِي قُلُوبِ الذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً { [الحديد:27] ، والاسم يدل

باللزوم على الحياة والقيومية ، والعلم والرحمة واللطف والإحسان ، وغير ذلك من

أوصاف الكمال ، واسم الله الرءوف دل على صفة من صفات الأفعال .

الرءوف صيغة مبالغة من اسم الفاعل الرائف ، وهو الموصوف بالرأفة ، فعله رَأَفَ به

يَرْأَف رَأْفة ، والرأفة في حقنا هي امتلاء القلب بالرقة ، وهي أشد ما يكون من الرحمة ،

وقيل : بل شدة الرحمة ومنتهاها ، قال تعالى : } الزَّانِيَة وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ

جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ { [النور:2] ، يعني لا تنظروا بأي اعتبار يمكن أن

يمنحهم شيئا من الرحمة والرقة ، فلا ترحموهما فَتُسْقِطُوا عنهما ما أَمَرَ الله به من الحد ،

ويمكن القول أن الرحمة تسبق الرأفة ، فالرأفة هي المنزلة التي تعقبها يقال : فلان رحيم

فإذا اشتدت رحمته فهو رءوف ، فالرأفة آخر ما يكون من الرحمة ولذلك قدمت الرأفة

على الرحمة في وصف نبينا كما قال تعالى : } بِالْمُؤْمِنِينَ رءوف رَحِيمٌ { [التوبة:128] ، وذلك

على اعتبار أن الرأفة مبالغة في الرحمة ، والمبالغة في الرحمة تتعلق بخاصة المؤمنين ، أما

الرحمة في اسمه الرحمن فإنها تتعلق بالخلائق أجمعين ، فالأمر في الرأفة والرحمة على قدر

الولاية والإيمان وعلى حسب علو الهمة في عمل الإنسان وقد كانت رأفة النبي بأصحابه ما بعدها رأفة ([1]) .

والرءوف سبحانه هو الذي يتعطف على عباده المؤمنين بحفظ سمعهم وأبصارهم وحركاتهم

وسكناتهم في توحيده وطاعته وهذا من كمال الرأفة بالصادقين ، روى البخاري من

حديث أَبِى هُرَيْرَةَ t عن النبي في الحديث القدسي : ( وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ

إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ

الذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ التِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ التِي يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي

لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ) ([2]).

وكذلك الرءوف يدل على معنى التعطف على عباده المذنبين ، فيفتح لهم باب التوبة ما لم

تغرغر النفس أو تطلع الشمس من مغربها ، فقد روى مسلم من حديث أبي هريرة t أن رسول الله قال : ( مَنْ تَابَ قَبْل أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللهُ عَليْه ) ([3]) ، وعنده أيضا

من حديث أَبِي مُوسَى الأشعري t أنِ النَّبِيِّ قَال : ( إِن اللهَ عَزَّ وَجَل يَبْسُطُ يَدَهُ بِالليْل ليَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ ليَتُوبَ مُسِيء الليْل حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ) ([4]) ،

والرءوف أيضا هو الذي يخفف عن عباده فلا يكلفهم ما يشق عليهم أو يخرج عن وسعهم

وطاقتهم ، قال تعالى : } يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً { [النساء:28] ، وقال : } لا يُكَلفُ اللهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا { [البقرة:286] ([5]) .

 



(1)       انظر في المعني اللغوي : لسان العرب 9/ 112 ، وروح المعاني 2/7 ، واشتقاق أسماء الله ص86 .

(1)       البخاري في الرقاق ، باب التواضع 5/2384 (6137) .

(2)       مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه 4/2076 (2703) .

(3)       مسلم في كتاب التوبة  ، باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة 4/2113 (2759) .

(4)  شرح أسماء الله الحسنى للرازي ص341 ، وتفسير الأسماء الحسنى للزجاج ص62 ، والأسماء والصفات

للبيهقي ص77 ، والمقصد الأسنى للغزالي ص124 ، والأسنى للقرطبي 1/172.

No comments:

Post a Comment