الوهاب :
اسم الله الوهاب يدل على ذات الله وعلى صفة الوهب بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما
بالتضمن ، روى البيهقي في سننه وصححه الألباني من حديث عائشة رضي الله عنها أن
رسول الله قال : ( إِنَّ أَوْلاَدَكُمْ هِبَةُ اللَّهِ لَكُمْ ، يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ؛ فَهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ لَكُمْ إِذَا احْتَجْتُمْ إِلَيْهَا ) ([1]) ، وقال تعالى : } وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ العَبْدُ إِنَّهُ
أَوَّابٌ { [ص:30] ، وقال سبحانه : } وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً { [مريم:53] ،
وقال : } فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاً جَعَلنَا نَبِيّاً {
[مريم:49] ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسيادة والصمدية ، والسمع
والبصر ، والعلم والقدرة ، والغنى والعزة ، والملك والعظمة ، والقوة والحكمة ، وغير
ذلك من صفات الكمال ، واسم الله الوهاب دل على صفة من صفات الأفعال .
الوهاب في اللغة صيغة مبالغة على وزن فعال من الواهب وهو المعطي للهبة ، فعله
وهب يهب وهبا وهبة ، والهبة عطاء الشيء بلا عوض ، قال ابن منظور : ( الهبة
العطية الخالية عن الأعواض والأغراض ، فإذا كثرت سمي صاحبها وهابا ، وهو من أبنية المبالغة ) ([2]) .
والوهاب سبحانه هو الذي يكثر العطاء بلا عوض ، ويهب ما يشاء لمن يشاء بلا غرض
، ويعطي الحاجة بغير سؤال ، ويسبغ على عباده النعم والأفضال ، نعمه كامنة في
الأنفس وجميع المصنوعات ، ظاهرة بادية في سائر المخلوقات ، نعم وعطاء وجود
وهبات تدل على أنه المتوحد في اسمه الوهاب ، قال تعالى : } للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ
يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ { [الشورى:50] ([3]) .
والله جل شأنه يهب العطاء في الدنيا على سبيل الابتلاء ، ويهب العطاء في الآخرة على
سبيل الأجر والجزاء ، فعطاؤه في الدنيا علقه بمشيئته وابتلائه للناس بحكمته ليتعلق العبد
بربه عند النداء والرجاء ، ويسعد بتوحيده وإيمانه بين الدعاء والقضاء ، وهذا أعظم
فضل وهبة وعطاء إذا أدرك العبد حقيقة الابتلاء ، واستعان بالله في تحقيق ما يتمناه
، قال زكريا u في دعائه : } وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ
لَدُنْكَ وَلِيّاً { [مريم:5] ، وقال سبحانه عن عباده الموحدين : } وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا
مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً { [الفرقان:74] ، وقال تعالى في المقابل عن
الراغبين في الدنيا المعرضين عن الآخرة : } مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ
نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُورا ً{ [الإسراء:18] ، فعلق تحقيق مراد العبد في
الدنيا على مشيئته سبحانه ، أما في الآخرة فيحقق للعبد مشيئته وما يتمناه قال تعالى :
} لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ { [قّ:35] ، فالله عز وجل من أسمائه الحسنى الوهاب
ومن صفاته أنه يهب ما يشاء لمن يشاء كيف يشاء ، فإن أوجب شيئا على نفسه فهو
من فضله وكرمه ، فما يعطيه لعباده ظاهرا وباطنا في الدنيا والآخرة إنما هي نعم وهبات
وهي من الكثرة بحيث لا تحصيها الحسابات ([4]) .
No comments:
Post a Comment