Monday, May 2, 2011

أسماء الله الحسنى - القريب

القريب :

الاسم القريب يدل على ذات الله وعلى صفة القرب بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، روى البخاري من حديث أبي موسى t أن النبي قال : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أربعوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا ، إِنَّهُ مَعَكُمْ ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ، تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ ) ([1]) .

وفي رواية مسلم من حديث أبي موسى t : ( والذي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَةِ أَحَدِكُمْ ) ([2]) ، وهذا القرب وصف ذاتي لا يقتضي مخالطة أو مماسة ، فهو قريب من فوق عرشه بكمال وصفه غير ملاصق لخلقه ، وعلى اعتبار تفسير القرب بهذا المعنى يمكن أن يحمل قول الله تعالى : } وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ { [قّ:16] .

 والقرب إن تعلق بالمشيئة فهو وصف فعل ، كما ورد في قوله تعالى عن موسى u : } وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً { [مريم:52] ، وقال : } فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ { [الواقعة:88] ، وقال : } عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا المُقَرَّبُونَ { [المطففين:28] ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة t أن رسول الله قال : ( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ ) ([3]) ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث أبي أمامة t أنه سمع رسول الله  يقول : ( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ العَبْدِ في جَوْفِ الليْلِ الآخِرِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ الله في تِلكَ السَّاعَةِ فَكُنْ ) ([4]) ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة t أن النبي قال : ( وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَي بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا ، وَإِنْ أتاني يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ) ([5]) .

واسم الله القريب يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسمع والبصر ، والعلم والقدرة ، والكرم والسعة وغير ذلك من أوصاف الكمال ، واسم الله القريب دل على صفة من صفات الذات والأفعال .

 

القريب في اللغة فعيل بمعنى اسم الفاعل يدل على صفة القرب ، والقُرْبُ في اللغة نقيضُ البُعْد ، قرُبَ الشيء يَقرُبُ قرْبا وقرْبانا أَي دَنا فهو قريبٌ ، والقرب في اللغة على أنواع ، منه قرب المكان كقوله تعالى : } إِنَّمَا الْمُشْرِكونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا { [التوبة:28] ، وقرب الزمان نحو قوله : } وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ { [الأنبياء:109] وقد يكون القرب في النسب نحو قوله : } لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ { [النساء:7] ، وكذلك من معاني القرب قرب الحظوة والمنزلة نحو قوله : }  فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِين فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ { [الواقعة:88/89] ([6]) .

والقريب سبحانه هو الذي يقرب من خلقه كما شاء وكيف شاء ، وهو القريب من فوق عرشه أقرب إلى عباده من حبل الوريد كما قال : } وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ { [ق:16] ، وقال سبحانه أيضا : } وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ { [الواقعة:85] ، والقرب في الآيتين إما أن يكون على حقيقته باعتبار ما ورد عن ابن عباس t حيث قال : ( ما السموات السبع والأرضون السبع في يد الله إلا كخردلة في يد أحدكم ) ([7]) ، وروى ابن حبان وصححه الألباني من حديث أبي ذر t أن النبي قال : ( ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ) ([8])  ، فهذا قرب مطلق بالنسبة لله عز وجل لأنه قريب غير ملاصق ، والمخلوقات كلها بالنسبة إليه تتقارب من صغرها إلى عظمة ذاته وصفاته ، وهو بعيد غير منقطع بالنسبة لمقاييسنا ، فلا يقدر أحد على إحاطة بعد ما بين العرش والأرض من سعته وامتداده ، قال ابن منده في وصف قرب الله : ( لقربه كأنك تراه قريب غير ملاصق وبعيد غير منقطع ، وهو يسمع ويرى وهو بالمنظر الأعلى وعلى العرش استوى ) ([9]) .

وقد يكون القرب قرب الملائكة لأنه ذكر في سياق الآية قرينة تدل على قرب الملائكة حيث قال : } وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ { [ق:16/17] ، فيجوز هنا أن يكون القرب قرب الملكين ، وأما القرب الوارد في آية الواقعة فهو مقيد بحال الاحتضار لأن الذي يحضر وقتها الملائكة ، كما قال سبحانه : } حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا { [الأنعام:61] ، كما أن قوله وأنتم لا تبصرون فيه دليل على أنهم الملائكة ، إذ يدل على أن هذا القريب في نفس المكان ولكن لا نبصره ([10]) ، فالله عز وجل قريب من فوق عرشه ، عليم بالسرائر يعلم ما تكنه الضمائر ، وهو قريب بالعلم والقدرة في عامة الخلائق أجمعين ، وقريب باللطف والنصرة وهذا خاص بالمؤمنين ، من تقرب منه شبرا تقرب منه ذراعا ، ومن تقرب منه ذراعا تقرب منه باعا ، وهو أقرب إلى العبد من عنق راحلته ([11]) ، وهو أيضا قريب من عبده بقرب بملائكته الذين يطلعون على سره ويصلون إلى مكنون قلبه ([12]) .


(1)       البخاري في الجهاد ، باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير 3/1091 (2830) .

(1)       مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب استحباب خفض الصوت بالذكر 4/2077 (2704) .

(2)       مسلم في الصلاة ، باب ما يقال في الركوع والسجود 1/350 (482) .

(3)       الترمذي في الدعوات5/569 (3579) ، وانظر صحيح الجامع (1173) .

(4)       البخاري في التوحيد ، باب السؤال بأسماء الله تعالى 6/ 2694 (6970) .

(1)       لسان العرب 1/662 ، والمفردات ص 663 ، واشتقاق أسماء الله ص146.

(1)       تفسير ابن كثير 3/296 .

(2)       صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 2/77 (361) ، قال الألباني : لا يصح في صفة الكرسي

غير هذا الحديث ، انظر السلسلة الصحيحة 1/223 (109) .

(3)       مختصر العلو ص 264 .

(4)       مجموع الفتاوى 5/502 ، 6/ 19 ، والقواعد المثلى لابن عثيمين ص 65 .

(5)       انظر حديث أبي هريرة t عند البخاري مرفوعا : ( يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عبدي بِي ، وَأَنَا

مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي ، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي ، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ

، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا ، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِى أَتَيْتُهُ

هَرْوَلَةً ) ، وحديث أَبِى مُوسَى t أن رسول الله S قَالَ : ( وَالَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ

رَاحِلَةِ أَحَدِكُمْ ) .

(6)       انظر طريق الهجرتين ص44 ، واجتماع الجيوش الإسلامية ص68 ، وجامع البيان 2/92.

No comments:

Post a Comment