الواحد : اسم الله الواحد يدل على ذات الله وعلى صفة الوحدانية بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، ويدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسمع والبصر ، والعلم والمشيئة والقدرة ، والغنى والقوة ، والعلو والقهر والعظمة ، والهيمنة والكبرياء والعزة ، وغير ذلك من أوصاف الكمال ، وقد اقترن اسم الله الواحد باسمه القهار ؛ فقال سبحانه وتعالى : } قُل اللهُ خَالقُ كُل شَيْءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّار ُ { [الرعد:16] ، وذلك لأن معاني العلو من لوازم الوحدانية ، فالذي علا بذاته وارتفع ارتفاعا مطلقا فوق الكل ينفرد بالوحدانية والعلو والعظمة والمجد بدلالة اللزوم ، فالله عز وجل من جهة علو الفوقية متوحد في علوه ، مستو على عرشه بائن من خلقه ، لا شيء من ذاته في خلقه ولا خلقه في شيء من ذاته ، يعلم أعمالهم ويسمع أقوالهم ويرى أفعالهم ولا تخفى عليه منهم خافية ، ومن جهة علو الشأن منفرد بكل معاني الكمال متوحد منزه عن النقائص والعيوب التي تنافي معاني الألوهية والربوبية ، فتعالى في أحديته عن الشريك والظهير والولي والنصير ، وتعالى في صمديته عن الصاحبة والولد وأن يكون له كفوا أحد ، وتعالى في كمال حياته وقوميته ومشيئته وقدرته ، وتعالى في كمال حكمته وحجته ، وتعالى في كمال علمه عن الغفلة والنسيان ، وعن ترك الخلق سدى دون غاية لخلق الجن والإنسان ، واسم الله الواحد دل على صفة من صفات الذات .. الواحد في اللغة اسم فاعل للموصوف بالواحدية أو الوحدانية ، فعله وحد يوحد وحادة وتوحيدا ، ووحده توحيدا جعله واحدا ، والواحدُ أَول عدد الحساب وهو يدل على الإثبات ، فلو قيل في الدار واحد لكان فيه إثبات واحد منفرد مع إثبات ما فوق الواحد مجتمعين ومفترقين ([1]) . والواحد سبحانه هو القائم بنفسه المنفرد بوصفه الذي لا يفتقر إلى غيره أزَلا وأبَدا وهو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله ، فهو سبحانه كان ولا شيء معه ، ولا شيء قبله ، ومازال بأسمائه وصفاته واحد أولا قبل خلقه ، فوجود المخلوقات لم يزده كمالا كان مفقودا ، أو يزيل نقصا كان موجودا ، فالوحدانية قائمة على معنى الغنى بالنفس والانفراد بكمال الوصف ، قال ابن الأَثير : ( الواحد في أَسماء الله تعالى هو الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر ) ([2]) روى البخاري من حديث عمران t أنه قال : ( إني عندَ النبيِّ إذ جاءهُ قومٌ من بني تميم ، فقال : اقبَلوا البُشرى يا بنِي تميم ، قالوا : بشَّرْتنا فأعطِنا ، فدخلَ ناسٌ من أهل اليمن فقال : اقبلوا البُشرَى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم ، قالوا : قبلنا جئناك لنتفقه في الدِّين ، ولنسألك عن أولِ هذا الأمر ما كان ؟ قال : كان اللهَ ولم يكن شيء قبلهُ وكان عرشه على الماء ثم خلقَ السماواتِ والأرضَ وكتب في الذكر كل شيء ) ([3]) . وقال تعالى : } مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُداً { [الكهف:51] ، فهو سبحانه وحده الذي خلق الخلق بلا معين ولا ظهير ولا وزير ولا مشير ، ومن ثم فإنه وحده المنفرد بالملك ، وليس لأحد في ملكه شرك كما قال تعالى : } قُلِ ادْعُوا الذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ { [سبأ:22] . ومن الأدلة العقلية في إثبات وحدانية الإله وتفرده بالربوبية دليل التمانع وملخصه أنا لو قدرنا إلهين اثنين وفرضنا عرضين ضدين ، وقدرنا إرادة أحدهما لأحد الضدين وإرادة الثاني للثاني فلا يخلو من أمور ثلاثة ، إما أن تنفذ إرادتهما ، أو لا تنفذ ، أو تنفذ إرادة أحدهما دون الآخر ، ولما استحال أن تنفذ إرادتهما لاستحالة اجتماع الضدين واستحال أيضا ألا تنفذ إرادتهما لتمانع الإلهين وخلو المحل عن كِلا الضدين ، فإن الضرورة تقتضي أن تنفذ إرادة أحدهما دون الآخر ، فالذي لا تنفذ إرادته هو المغلوب المقهور المستكره والذي نفذت إرادته هو الإله المنفرد الواحد القادر على تحصيل ما يشاء ، قال تعالى : } مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ { [المؤمنون:91] ، فلا يجوز أن يكون في السماوات والأرض آلهة متعددة بل لا يكون الإله إلا واحدا وهو الله سبحانه ، ولا صلاح لهما بغير الوحدانية ، فلو كان للعالم إلهان ربان معبودان لفسد نظامه واختلت أركانه ، قال تعالى : } لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ { [الأنبياء:22] ، فأساس قيام الخلق وبقاء السماوات والأرض هي وحدانية الله وانفراده عمن سواه قال تعالى : } إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً { [فاطر:41] وقال أيضا : } وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءوفٌ رَحِيمٌ { [الحج:65] ([4]) .
No comments:
Post a Comment