Saturday, May 28, 2011

أسماء الله الحسنى - الواحد

 

 

 الواحد :

اسم الله الواحد يدل على ذات الله وعلى صفة الوحدانية بدلالة المطابقة ، وعلى

ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، ويدل باللزوم على

الحياة والقيومية ، والسمع والبصر ، والعلم والمشيئة والقدرة ، والغنى والقوة ،

والعلو والقهر والعظمة ، والهيمنة والكبرياء والعزة ، وغير ذلك من أوصاف الكمال

، وقد اقترن اسم الله الواحد باسمه القهار ؛ فقال سبحانه وتعالى :   }   قُل اللهُ خَالقُ كُل

شَيْءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّار ُ  { [الرعد:16] ، وذلك لأن معاني العلو من لوازم

الوحدانية ، فالذي علا بذاته وارتفع ارتفاعا مطلقا فوق الكل ينفرد بالوحدانية

والعلو والعظمة والمجد بدلالة اللزوم ، فالله عز وجل من جهة علو الفوقية متوحد في

علوه ، مستو على عرشه بائن من خلقه ، لا شيء من ذاته في خلقه ولا خلقه في

شيء من ذاته ، يعلم أعمالهم ويسمع أقوالهم ويرى أفعالهم ولا تخفى عليه منهم خافية

، ومن جهة علو الشأن منفرد بكل معاني الكمال متوحد منزه عن النقائص والعيوب

التي تنافي معاني الألوهية والربوبية ، فتعالى في أحديته عن الشريك والظهير والولي

والنصير ، وتعالى في صمديته عن الصاحبة والولد وأن يكون له كفوا أحد ، وتعالى

في كمال حياته وقوميته ومشيئته وقدرته ، وتعالى في كمال حكمته وحجته ، وتعالى في

كمال علمه عن الغفلة والنسيان ، وعن ترك الخلق سدى دون غاية لخلق الجن

والإنسان ، واسم الله الواحد دل على صفة من صفات الذات ..

الواحد في اللغة اسم فاعل للموصوف بالواحدية أو الوحدانية ، فعله وحد يوحد وحادة


وتوحيدا ، ووحده توحيدا جعله واحدا ، والواحدُ أَول عدد الحساب وهو يدل على


الإثبات ، فلو قيل في الدار واحد لكان فيه إثبات واحد منفرد مع إثبات ما فوق الواحد

مجتمعين ومفترقين ([1]) .

والواحد سبحانه هو القائم بنفسه المنفرد بوصفه الذي لا يفتقر إلى غيره أزَلا وأبَدا

وهو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله ، فهو سبحانه كان ولا شيء معه ، ولا

شيء قبله ، ومازال بأسمائه وصفاته واحد أولا قبل خلقه ، فوجود المخلوقات لم يزده

كمالا كان مفقودا ، أو يزيل نقصا كان موجودا ، فالوحدانية قائمة على معنى الغنى

بالنفس والانفراد بكمال الوصف ، قال ابن الأَثير : ( الواحد في أَسماء الله تعالى هو الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر ) ([2])

روى البخاري من حديث عمران t أنه قال : ( إني عندَ النبيِّ إذ جاءهُ قومٌ من بني

تميم ، فقال : اقبَلوا البُشرى يا بنِي تميم ، قالوا : بشَّرْتنا فأعطِنا ، فدخلَ ناسٌ من أهل

اليمن فقال : اقبلوا البُشرَى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم ، قالوا : قبلنا جئناك

لنتفقه في الدِّين ، ولنسألك عن أولِ هذا الأمر ما كان ؟ قال : كان اللهَ ولم يكن

شيء قبلهُ وكان عرشه على الماء ثم خلقَ السماواتِ والأرضَ وكتب في الذكر كل شيء ) ([3]) .

وقال تعالى : } مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ

مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُداً { [الكهف:51] ، فهو سبحانه وحده الذي خلق الخلق بلا

معين ولا ظهير ولا وزير ولا مشير ، ومن ثم فإنه وحده المنفرد بالملك ، وليس لأحد

في ملكه شرك كما قال تعالى : } قُلِ ادْعُوا الذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ

مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ

ظَهِيرٍ { [سبأ:22] .

 ومن الأدلة العقلية في إثبات وحدانية الإله وتفرده بالربوبية دليل التمانع وملخصه أنا

لو قدرنا إلهين اثنين وفرضنا عرضين ضدين ، وقدرنا إرادة أحدهما لأحد الضدين

وإرادة الثاني للثاني فلا يخلو من أمور ثلاثة ، إما أن تنفذ إرادتهما ، أو لا تنفذ ، أو

تنفذ إرادة أحدهما دون الآخر ، ولما استحال أن تنفذ إرادتهما لاستحالة اجتماع

الضدين  واستحال أيضا ألا تنفذ إرادتهما لتمانع الإلهين وخلو المحل عن كِلا الضدين

، فإن الضرورة تقتضي أن تنفذ إرادة أحدهما دون الآخر ، فالذي لا تنفذ إرادته هو

المغلوب المقهور المستكره والذي نفذت إرادته هو الإله المنفرد الواحد القادر على

تحصيل ما يشاء ، قال تعالى : } مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ

كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ {

[المؤمنون:91] ، فلا يجوز أن يكون في السماوات والأرض آلهة متعددة بل لا يكون

الإله إلا واحدا وهو الله سبحانه ، ولا صلاح لهما بغير الوحدانية ، فلو كان للعالم

إلهان ربان معبودان لفسد نظامه واختلت أركانه ، قال تعالى : } لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ

إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ { [الأنبياء:22] ، فأساس قيام

الخلق وبقاء السماوات والأرض هي وحدانية الله وانفراده عمن سواه قال تعالى : }

إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ

بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً { [فاطر:41] وقال أيضا : } وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءوفٌ رَحِيمٌ { [الحج:65] ([4]) .


(1)       لسان العرب 3/446 .

(2)       القاموس المحيط  للفيروز آبادي ص414 ، المفردات ص66 .

(3)       البخاري في بدء الخلق ، باب ما جاء في قوله : ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُه )

3/1166 (3019) .

(1)       انظر في هذه القضية : دقائق التفسير الجامع لتفسير شيخ الإسلام ابن تيمية 2

/364 ، واقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية 1 /459 ، كتاب المواقف لعضد الدين الإيجي

3/306 ، ولمع الأدلة في قواعد أهل السنة والجماعة ص99 ، والغنية في أصول الدين

ص67 ، وشرح العقيدة الطحاوية ص 87.

No comments:

Post a Comment