Tuesday, May 17, 2011

أسماء الله الحسنى - التواب

التواب :

اسم الله التواب يدل على ذات الله وعلى صفة التوبة بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، قال تعالى : } وعلى الثَّلاثَةِ الذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلجَأَ مِنَ الله إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ الله هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم ُ{ [التوبة/118] ، فقبول التوبة صفة من صفات الأفعال تتعلق بالمشيئة لقوله تعالى : } وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ الله إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَالله عَلِيمٌ حَكِيم ٌ{ [التوبة/106] ، وقال سبحانه : } إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً { [النساء:17/18] ، وعند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي S قال لها : ( يَا عَائِشَةُ إِنَّهُ بلغني عَنْكِ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً ، فَسَيُبَرِّئُكِ الله ، وَإِنْ كُنْتِ أَلمَمْتِ بِذَنْبٍ ، فاستغفري الله وتوبي إِلَيْهِ ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ ، تَابَ الله عَلَيْهِ ) ([1]) ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة t أن رسول الله S قال : ( مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ الله عَلَيْهِ ) ([2]) .

واسم الله التواب يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسمع والبصر ، والعلم والقدرة ، والعزة والرأفة ، والعفو والرحمة ، والعدل والحكمة ، وغير ذلك من أوصاف الكمال ، واسم الله التواب دل على صفة من صفات الأفعال .

التواب في اللغة من صيغ المبالغة ، فعله تاب يتوب توبا وتوبة ، والتوبة الرجوع عن الشيء إلى غيره ، وترك الذنب على أجمل الوجوه ، وهو أبلغ وجوه الاعتذار ، فإن الاعتذار على ثلاثة أوجه : إما أن يقول المعتذر لم أفعل ، أو يقول فعلت لأجل كذا أو يقول : فعلت وأسأت وقد أقلعت ولا رابع لذلك وهذا الأخير هو التوبة ([3]) ، والتائب يقال لباذل التوبة ولقابل التوبة فالعبد تائب إلى الله والله تائب على عبده ([4]) ، والتوبة لازمة لجميع المذنبين والعاصين صغر الذنب أو كبر ، وليس لأحد عذر في ترك التوبة بعد ارتكاب المعصية لأن المعاصي كلها توعد اللَّه عليها أهلها ([5])

والتواب سبحانه هو الذي يقبل التوبة عن عباده حالا بعد حال ، فما من عبد عصاه وبلغ عصيانه مداه ثم رغب في التوبة إليه  إلا فتح له أبواب رحمته ، وفرح بعودته وتوبة ، ما لم تغرغر النفس أو تطلع الشمس من مغربها ، فمنْ حديث أَبِي مُوسَى t مرفوعا : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ) ([6]) ، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ t  أن رَسُولَ اللَّهِ S قال : ( إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ ) ([7]) ، ولو أن إنسانا اتبع هواه أو استجاب لشيطانه وتمادى في جرمه وعصيانه فقتل مائة نفس وارتكب كل إثم وأراد التوبة والغفران تاب عليه التواب ، وبدل له عدد ما فات من السيئات بنفس أعدادها حسنات ، قال تعالى : } فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ الله غَفُورًا رَحِيمًا { [الفرقان:71] ، وروى الترمذي وحسنه الألباني من حديث أَنَس بْن مَالِكٍ t قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ S يَقُولُ : ( قَالَ الله : يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ) ([8]) .

هذا فضلا عن فرح التواب بتوبة عبده وعودته إلى ربه ، فمن حديث أَبِي هُرَيْرَةَ t مرفوعا : ( لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ أَحَدِكُمْ بِضَالَّتِهِ إِذَا وَجَدَهَا ) ([9]) ، إن المذنب مخطئ في جنب الله وعظم الذنب يقاس بعظم من أخطأت في حقه ، فلو قبل الله توبة المذنب فإن مجرد القبول فقط كرم بالغ ومنة من الله على عبده ، فما بالنا وهو يقبل توبة المذنب بعفو جديد وفرح شديد ويجعل في مقابل الذنوب بالتوبة أجرا كبيرا .

ويذكر ابن القيم أن توبة العبد إلى ربه محفوفة بتوبة من الله عليه قبلها وتوبة منه بعدها ، فتوبته بين توبتين من الله سابقة ولاحقة ، فإنه تاب عليه أولا إذنا وتوفيقا وإلهاما ، فتاب العبد فتاب الله عليه ثانيا قبولا وإثابة ، قال تعالى : } وَعَلَى الثلاثَةِ الذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِن اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ { [التوبة:118] ، فأخبر سبحانه أن توبته عليهم سبقت توبتهم ، وأنها هي التي جعلتهم تائبين ، فكانت سببا ومقتضيا لتوبتهم ، فدل على أنهم ما تابوا حتى تاب الله عليهم ، والحكم ينتف لانتفاء علته ، فالعبد تواب والله تواب ، فتوبة العبد رجوعه إلى سيده بعد الإباق ، وتوبة الله نوعان : إذن وتوفيق ، وقبول وإمداد ([10])  ، قال ابن القيم :

            وكذلك التواب من أوصافه    :   والتوب  في أوصافه نوعان

            إذن   بتوبة   عبده   وقبولها    :    بعد   المتاب   بمنة    المنان ([11]) .

قال أبو حامد : ( التواب هو الذي يرجع إليه تيسير أسباب التوبة لعباده مرة بعد أخرى بما يظهر لهم من آياته ويسوق إليهم من تنبيهاته ويطلعهم عليه من تخويفاته وتحذيراته ، حتى إذا اطلعوا بتعريفه على غوائل الذنوب استشعروا الخوف بتخويفه فرجعوا إلى التوبة فرجع إليهم ) ([12]) .

 

(1)       البخاري في المغازي ، باب حديث الإفك 4/ 1521 (3910) .

(2)       مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه 4/ 2076 (2703) .

(1)       المفردات ص76 ، ولسان العرب 1/233 ، التعاريف ص74 ، وزاد المسير 1/70 .

(2)       المفردات ص76 ، وكتاب العين للخليل بن أحمد 8/138 ، وتفسير أسماء الله الحسنى ص 62 .

(1)       انظر الرعاية لحقوق الله للمحاسبي ص68 ، وإحياء علوم الدين 4/2 ، وعوارف المعارف ص487 .

(2)       مسلم في التوبة ، باب قبول التوبة 4/2113 (2759)  .

(3)       الترمذي في الدعوات ، باب في فضل التوبة والاستغفار5/547 (3537) ، وانظر حكم الشيخ الألباني على الحديث في صحيح الجامع (4338) .

(4)       الموضع السابق 5/548 (3540) .

(5)       مسلم في التوبة ، باب في الحض على التوبة والفرح بها 4/2102 (2675) .

(1)       مدارج السالكين1/ 312 .

(2)       شرح قصيدة ابن القيم 2/231 .

(3)       المقصد الأسنى ص 139

.

No comments:

Post a Comment