Wednesday, May 4, 2011

أسماء الله الحسنى - الأول

Al-a2wel

 

الأول :

اسم الله الأول يدل على ذات الله وعلى صفة الأولية المطلقة بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، ووصف الأولية وصف ذاتي يدل على مطلق القبلية ، وعلو الشأن والفوقية ، وعند مسلم من حديث أَبِى هريرة t أن النبي S قال : ( اللهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَليْسَ قَبْلكَ شيء ) ([1]) ، كما أن الأولية في الأشياء مرجعيتها إلي الله خلقا وإيجادا وعطاء وإمدادا ، قال تعالى : } إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلعَالَمِينَ { [آل عمران:96] ، وقال : } كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً علينَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ { [الأنبياء:104] ، وقال : } قُل يُحْيِيهَا الذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلقٍ عَلِيمٌ { س:79] ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث عبادة t أن رسول الله S قال : ( إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ الله القَلَمَ ، فَقَالَ لَهُ : اكْتُبْ قَالَ : رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ ؟ قَالَ : اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ) ([2]) ، واسم الله الأول يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسمع والبصر والعلم ، والمشيئة والقدرة والعلو والغني والعظمة وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله الأول دل على صفة من صفات الذات .

 الأول في اللغة على وزن أفعل ، تأسيس فعله من همزة وواو ولام ، آل يؤول أوْلا وقد قيل من واوين ولام ، والأول أفصح وهو في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالأولية وهو الذي يترتب عليه غيره ، والأولية أيضا الرجوع إلى أول الشيء ومبدؤه أو مصدره وأصله ، ويستعمل الأول للمتقدم بالزمان كقولك عبد الملك أولا ثم المنصور ، والمتقدم بالرياسة في الشيء وكون غيره محتذيا به نحو الأمير أولا ثم الوزير والمتقدم بالنظام الصناعي نحو أن يقال : الأساس أولا ثم البناء ([3]) . 

والأول سبحانه هو الذي لم يسبقه في الوجود شيء ، وهو الذي علا بذاته وشأنه فوق كل شيء ، وهو الذي لا يحتاج إلى غيره في شيء ، وهو المستغني بنفسه عن كل شيء ([4]) ، فالأول اسم دل على وصف الأولية ، وأولية الله تقدمه على كل من سواه في الزمان ، فهي بمعنى القَبلية خلاف البعدية ، أو التقدم خلاف التأخر ، وهذه أولية زمانية ، ومن الأولية أيضا تقدمه سبحانه على غيره تقدما مطلقا في كل وصف كمال وهذا معنى الكمال في الذات والصفات في مقابل العجز والقصور لغيره من المخلوقات فلا يدانيه ولا يساويه أحد من خلقه لأنه سبحانه منفرد بذاته ووصفه وفعله ، فالأول هو المتصف بالأولية ، والأولية وصف لله وليست لأحد سواه ([5]) ، وربما يستشكل البعض وصف الله بالأولية مع وصفه بدوام الخالقية والقدرة والفاعلية ، فإذا كان الله عز وجل هو الأول الذي ليس قبله شيء ، فهل يعني ذلك أنه كان معطلا عن الفعل ثم أصبح خالقا فاعلا قادرا بعد أن لم يكن ؟

والجواب عن ذلك أن يقال : إن الله عز وجل موصوف بأنه مريد فعال يفعل ما يشاء وقت ما يشاء كما قال : } ذُو العَرْشِ المَجِيد ُفَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ  { [البروج:16] ، وقد بين الله عز وجل أنه قبل وجود السماوات والأرض لم يكن سوى العرش والماء كما جاء في قوله تعالى : } وَهُوَ الذِي خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلى المَاء { [هود:7] ، ومن حديث عِمْرَانَ t أن رسول الله قَال : ( كَانَ اللهُ وَلمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلهُ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلى المَاءِ ، ثُمَّ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْض ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُل شَيْءٍ ) ([6]) ، وربما يسأل سائل ويقول : وماذا قبل العرش والماء ؟

والجواب : أن الله قد شاء أن يوقف علمنا عن بداية المخلوقات عند العرش والماء فقال تعالى : } ولا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ { [البقرة:255] ، فالله أعلم هل توجد مخلوقات قبل العرش والماء أم لا ؟ لكننا نعتقد أن وجودها أمر ممكن متعلق بمشيئة الله وقدرته ، فالله أخبرنا أنه يخلق ما يشاء ، ويفعل ما يشاء وهو على ما يشاء قدير ، وأنه متصف بصفات الأفعال ، ومن لوازم الكمال أنه فعال لما يريد على الدوام أزلا وأبدا سواء كان ذلك قبل العرش والماء أو بعد وجودهما ، لكن الله أوقف علمنا عند هذا الحد ، كما أن جهلنا بذلك لا يؤثر فيما يخصنا أو يتعلق بحياتنا من معلومات ضرورية لتحقيق الكمال في حياة الإنسان ، قال سليمان التيمي رحمه الله : ( لو سئلت : أين الله ؟ لقلت : في السماء ، فإن قال السائل : أين كان عرشه قبل السماء ؟ لقلت : على الماء ، فإن قال : فأين كان عرشه قبل الماء ؟ لقلت : لا أعلم ) ([7]) ، ويعقب الإمام البخاري رحمه الله بقوله : ( وذلك لقول الله تعالى : } ولا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ { [البقرة:255] يعني إلا بما بين ) ([8]) .

وهذه المسألة تسمى في باب العقيدة بالتسلسل وهو ترتيب وجود المخلوقات في متوالية مستمرة غير متناهية من الأزل والأبد ومعتقد السلف الصالح أن التسلسل في الأزل جائز ممكن ولا يلزم من ذلك أن الخلق يشارك الله في الأزلية والأولية ([9]) .

 



(1)                                مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب ما يقول ثم النوم وأخذ المضجع 4/2084 (2713) .

(2)                                أبو داود في السنة ، باب في القدر 4/225 (4700) ، وانظر صحيح الجامع (2018) .

(1)    مفردات ألفاظ القرآن ص100 ، وكتاب العين 8/368 ، واشتقاق أسماء الله ص204 .

(2)    السابق ص100 ، والأسماء والصفات للبيهقي ص 25 .

(3)    الأسماء والصفات للبيهقي ص24 ، تفسير أسماء الله للزجاج ص60 ، وشرح أسماء الله للرازي ص325 .

(4)    البخاري في كتاب بدء الخلق ، باب ما جاء في قوله وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده 3/1166 (3019) .

(1)    خلق أفعال العباد ص37 .

(2)    السابق 37 .

(3)    شرح العقيدة الطحاوية ص 135 .

No comments:

Post a Comment