Saturday, May 7, 2011

أسماء الله الحسنى - الباطن


الباطن :
اسم الله الباطن يدل على ذات الله وعلى صفة البطون بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، وفي الحديث : ( وَأَنْتَ البَاطِنُ فَليْسَ دُونَكَ شيء ) ( ) ، وصفة البطون تشمل العلم والإحاطة والهيمنة ، وتشمل عظمة الذات وجلالها من وراء الحجاب وتقليب الأسباب على مقتضى الحكمة في ابتلاء العباد ؛ فالله عز وجل هو الباطن الذي أحاط بهم من كل الوجوه ، قال تعالى : وَالله مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ [البروج:20] ، وعند مسلم من حديث أبي موسى t أن النبي قال : ( حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلقِهِ ) ( ) ، واسم الله الباطن يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والجلال والقدسية وجمال الذات والصفات الإلهية وغير ذلك من صفات الكمال ، والاسم دل على صفة ذات وفعل ، أما دلالتها على صفة الذات فلكمال الله وجلاله حيث ينقطع دونه كل كمال ، وأما دلالتها على صفة الفعل فلاحتجاب الحق عمن شاء من الخلق على مقتضي علمه وحكمته ، فلو شاء قوى أبصار الناظرين على رؤيته ، وقد وعد المؤمنين بالزيادة في جنته .

الباطن اسم فاعل لمن اتصف بالبطون ، والبطون خلاف الظهور ، فعله بَطنَ يَبْطنُ بطونا ، والبَطنُ من الإِنسان وسائِر الحيوان خلاف الظهْر ، والبَطنُ من كل شيء جَوْفُه قال تعالى : وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ [النحل:78] ، وقال : وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَة لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا [الأنعام:139] ، والبطون أيضا الخفاء والاحتجاب وعدم الظهور ، ومنه قول الله تعالى : وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأنعام:151] ، وبطن الشيء أساسه المحتجب الذي تستقر به وعليه الأشياء ، وعند مسلم من حديث جَابِرٌ t أن رَسُول اللَّهِ قَالَ : ( جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ شَهْرًا فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي نَزَلتُ فَاسْتَبْطَنْتُ بَطْنَ الوَادِي فَنُودِيتُ ، فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ أَحَدًا ) ( ) ، وقال تعالى : وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكةَ [الفتح:24] ، قال ابن منظور : ( وذلك أن بني هاشم وبني أمية وسادة قريش نزول ببطن مكة ومن كان دونهم فهم نزول بظواهر جبالها ) ( ) .
والباطن سبحانه هو المحتجب عن أبصار الخلق الذي لا يرى في الدنيا ولا يدرك في الآخرة ، وفرق بين الرؤية والإدراك ؛ فالله عز وجل لا يرى في الدنيا ويرى في الآخرة أما الإدراك فإنه لا يدرك في الدنيا ولا في الآخرة ، قال تعالى : فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلا [الشعراء:61/62] ، فموسى نفى الإدراك ولم ينف الرؤية لأن الإدراك هو الإحاطة بالمدرك من كل وجه ، أما الرؤية فهي أخص من ذلك ، فكل إدراك يشمل الرؤية ، وليس كل رؤية تشمل الإدراك ، قال تعالى : لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِك الأَبْصَارَ وَهُوَ اللطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام:103] ( ) .
والله عز وجل باطن احتجب بذاته عن أبصار الناظرين لحكمة أرادها في الخلائق أجمعين ، فالله يُرى في الآخرة ولا يرى في الدنيا لأنه شاء أن تقوم الخلائق على معنى الابتلاء ، ولو رأيناه في الدنيا وانكشف الحجاب والغطاء لتعطلت حكمة الله في تدبيره الأشياء ، قال تعالى : ألمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالحَقِّ [إبراهيم:19] ، فالعلة في احتجابه وعدم رؤيته هي الامتحان والابتلاء ، قال تعالى : الذي خَلقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ ليَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك:2] ، ومن هنا كان البطون ووضع الغطاء على أهل الابتلاء أو كشف الحجاب عند الانتقال لدار الجزاء قال تعالى لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيد [ق:22] ، فكيف يتحقق الإيمان بالله ونحن نراه ؟ وكيف تستقيم الشرائع في مخالفة الإنسان هواه ؟ ( ) .
وإذا كان الله تعالى لا يرى في الدنيا ابتلاءا فإنه سبحانه يرى في الآخرة إكراما وجزاءا ، إكراما لأهل طاعته وزيادة في النعيم لأهل محبته ، كما قال : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22/23] ، وقد تواترت الأحاديث في إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة ، فالعلة إذا في احتجابه وعدم إدراك كيفية أوصافه ليست عدم وجودها ولا استحالة رؤية الله تعالى ، ولكن العلة قصور الجهاز الإدراكي في الحياة الدنيا عن إدراك حقائق الغيب ، لأن الله عز وجل خلق الإنسان بمدارك محدودة لتحقيق معنى الابتلاء ، قال تعالى : إِنَّا خَلقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَليهِ فَجَعَلنَاهُ سَمِيعا بَصِيرا [الإنسان:2] ، فمن الصعب أن يرى الإنسان ما بطن من الغيبيات ، أو يرى كيفية الذات والصفات ، فالشيء لا يرى إلا لسببين : الأول خفاء المرئي وهو ممتنع في حق الله ، والثاني ضعف الجهاز الإدراكي للرائي وهذا شأن الإنسان ( ) .
فمن الخطأ البحث عن كيفية الحقائق الغيبية أو كيفية الذات والصفات الإلهية ، لأن الله باطن احتجب عن خلقه في عالم الشهادة بالنواميس الكونية ، أما في الآخرة عند لقائه فالأمر يختلف إذ أن مدركات الإنسان وقتها تتغير بالكيفية التي تناسب أمور الآخرة وأحداثها ، كما ثبت في السنة أن الإنسان سيكون عند دخول الجنة على صورة آدم طوله ستون زراعا ( ) ، والله عز وجل مع أنه الباطن الذي احتجب عن أبصار الناظرين لجلاله وحكمته وكمال عزته وعظمته إلا أن حقيقة وجوده وكمال أوصافه نور يضيء بصائر المؤمنين ، فهو القريب المجيب الذي يسمع الخلائق أجمعين .

 

No comments:

Post a Comment