Thursday, May 12, 2011

أسماء الله الحسنى - القيوم

 

 القيوم :

الاسم يدل على ذات الله وعلى صفة القيومية بدلالة المطابقة ، ويدل على ذات الله وحدها بالتضمن وعلى الصفة

وحدها بالتضمن ، قال ابن القيم :

هذا ومن أوصافه  القيوم والقيوم  في أوصافه أمران

أحداهما القيوم قام بنفسه والكون قام به هما الأمران

فالأول استغناؤه عن غيره والفقر من كل إليه الثاني

            والوصف بالقيوم ذو شأن عظيم هكذا موصوفه أيضا عظيم الشان ([1]) .

واسم الله القيوم يدل باللزوم على الوجود والبقاء والغنى بالنفس وسائر أنواع الكمال في الذات والصفات والأفعال

، وكما ذكرنا في اسم الله الحي أن جميع الأسماء الحسنى تدل على صفة الحياة باللزوم ما عدا الحي فإنه يدل عليها

بالتضمن كذلك القول في اسم الله القيوم ؛ فإن جميع الأسماء الحسنى تدل على صفة القيومية باللزوم ما عدا القيوم

فإنه يدل عليها بالتضمن ، ولولا صفة الحياة والقيومية ما كملت بقية أسمائه وصفاته وأفعاله ، فدوام الحياة

والقيومية من دلائل دوام والملك والربوبية ، وكمال الصفات الإلهية ، وقد أحسن ابن قيم الجوزية حين وصف ذلك

في النونية فقال :

وله الحياة كمالها فلأجل ذا ما للممات عليه من سلطان

وكذلك القيوم من أوصافه ما للمنام لديه من غشيان

وكذاك أوصاف الكمال جميعها ثبتت له ومدارها الوصفان

فمصحح الأوصاف والأفعال والأسماء حقا ذانك الوصفان

ولأجل ذا جاء الحديث بأنه في آية الكرسي وذي عمران

اسم الإله الأعظم اشتملا على اسم الحي والقيوم مقترنان

فالكل مرجعها إلى الاسمين يدري ذاك ذو بصر بهذا الشان ([2]) .

 القيوم في اللغة من صيغ المبالغة ، فعله قام يَقوم قوْما وقِياما ، ويأتي الفعل على معنيين الأول القيام بالذات والبقاء

على الوصف ، والثاني إقامة الغير والإبقاء عليه لأن غيره مفتقر إليه ، فالأول على اعتبار صفة الذات ، والثاني على

اعتبار صفة الفعل وعلى هذين المعنيين دارت عبارات اللغويين ، فالقيوم هو القائم بنفسه مطلقاً لا بغيره الباقي أزلا

وأبدا ، أو القائم بتدبير أُمور الخلق وتدبير العالم بجميع أَحواله ، فهو القائم بأَمور خلقه في إِنشائهم وتولي أرزاقهم

وتحديد آجالهم وأَعمالهم ، وهو العليم بمُسْتَقرِّهم ومستودعهم ، وهو الذي يقوم به كل موجود حتى لا يتصور وجود شيء ولا دوام وجوده إِلا بقيوميته وإقامته له ([3]) . 

والقيوم عز وجل هو القائم بنفسه الذي بلغ مطلق الكمال في وصفه ، والباقي بكماله ووصفه على الدوام دون تغيير

أو تأثير ، فقد يكون الحي سميعا لكن يتأثر سمعه مع مرور الوقت ، فيفتقر إلى وسيلة إضافية للسماع ، يضع سماعة

أو آلة يستعين بها لإكمال سمعه ، فيلزم لاتصافه بكمال السمع أن يكون قيوما في سمعه له البقاء والكمال فيه على

الدوام ، وقد يكون الحي بصيرا لكن بصره يتأثر مع مرور الوقت فيفتقر إلى وسيلة إضافية للإبصار ، فيضع زجاجة

أو نظارة يستعين بها ، فيلزم لاتصافه بكمال البصر والإبصار أن يكون قيوما في بصره له البقاء والكمال فيه على

الدوام ، والحي قد يكون متصفا بالصفات لكنه يتأثر بالغفلة والسنات ، فتتأثر صفاته وتضمحل وربما ينام أو يموت

فتزول وتنعدم ، فلو كان قائما دائما لكملت حياته وبقيت صفاته ، ولذلك قال تعالى :  } اللهُ لا إِلهَ إِلا هُوَ الحَيُّ

القَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ { [البقرة:255] ، فأثبت الحياة والقيومية اللازمة لكمال أسمائه وصفاته وأفعاله ،

وهذا المعنى كله في دلالة القيوم على صفة الذات ، أما دلالته على صفة الفعل فالقيومية هنا مردها إلى معنى الربوبية

فالقيم في اللغة هو السيد الذي يسوس الأمور ويدبرها ، فقيم البلدة سيدها وأمينها ومدبرها ومنه قوله : } أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ { [الرعد:33] ([4]) وعند البخاري مرفوعا : ( أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ) ([5]) .

 



(1)       شرح قصيدة ابن القيم 2/236  .

(2)       توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم 1/ 259 .

(1)       لسان العرب 12/496 ، واشتقاق أسماء الله ص 105، ومفردات ألفاظ القرآن ص690 .


(1)       تفسير البيضاوي 1/555 ، وتفسير القرطبي 3/272 ، وتفسير ابن كثير 1/309 .

(2)       البخاري في كتاب التهجد 5/2328 (5958) .

No comments:

Post a Comment