الواسع :
الاسم يدل على ذات الله وعلى السعة كوصف ذات والتوسيع على الغير
كوصف فعل بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة
وحدها بدلالة التضمن ، أما دلالته على وصف الذات فلقوله تعالى : } وَسِعَ
كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ { [البقرة:255] ، وقال سبحانه : } إِنَّمَا إِلَهُكُمُ
الله الذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَسِعَ كُل شَيْءٍ عِلماً { [طه:98] ، وعند الإمام
البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قَالَتِ : ( الحَمْدُ لِلهِ الذِي وَسِعَ
سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ ، فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى عَلَى النبي : } قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ التي تُجَادِلُكَ في زَوْجِهَا { ) ([1]) .
وأما دلالة الاسم على وصف الفعل فلقوله تعالى : } وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا
لَمُوسِعُونَ { [الذاريات:47] ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة t : (
أن رجلا قام إلى النبي فَسَأَلَهُ عَنِ الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ فَقَالَ أَوَكُلُّكُمْ يَجِدُ
ثَوْبَيْنِ ، ثُمَّ سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ فَقَالَ : إِذَا وَسَّعَ الله فَأَوْسِعُوا .. الحديث ) ([2])
، وعند مسلم من حديث ابن عباس t أن عمر t قال : ( ادْعُ الله يَا
رَسُولَ الله أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى أُمَّتِكَ فَقَدْ وَسَّعَ عَلَى فَارِسَ وَالرُّومِ وَهُمْ لاَ يَعْبُدُونَ الله .. الحديث ) ([3]) ، وعنده أيضا من حديث أبي هريرة t أن النبي قال : (
وَرَجُلٌ وَسَّعَ الله عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ المَالِ كُلِّهِ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ : فَمَا عَمِلتَ فِيهَا .. الحديث ) ([4]) ، وعند من حديث عوف ابن مالك
t في دعاء الجنازة أن النبي قال : ( .. وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ .. الحديث ) ([5]) ، وعند أحمد وصححه الألباني من حديث رجل من بني سليم مرفوعا :
( إنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَبْتَلِي عَبْدَهُ بِمَا أَعْطَاهُ ، فَمَنْ رضي بِمَا قَسَمَ الله عَزَّ وَجَل لَهُ بَارَكَ الله لَهُ فِيهِ وَوَسَّعَهُ ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ لَمْ يُبَارِكْ لَهُ فيه ) ([6]) .
واسم الله الواسع يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسيادة والصمدية ،
والعظمة والأحدية ، والعلم والقدرة ، والعزة والغنى ، والجود والكرم ، وغير
ذلك من صفات الكمال والجمال ، واسم الله الواسع دل على وصف الذات
والأفعال .
والواسع في اللغة اسم فاعل للموصوف بالوسع ، فعله وَسِعَ الشَّيء يَسَعُه سِعَة
فهو وَاسِع ، وأَوْسَعَ الله عليك أَي أَغناك ، ورجل مُوسِعٌ يعني مَلِيء بالمال
والثراء ، يقال إناء واسع وبيت واسع ، ثم قد يستعمل في الغنى يقال : فلان
يعطي من سعة وواسع الرحل يعني غنيا ، وقال تعالى : } لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ
سَعَتِهِ { [الطلاق:7] ، وتَوَسَّعُوا في المجلس أَي تَفَسَّحُوا ، والسَّعة الغِنى والرفاهِية ، والسعة تكون في العلم والإحسان وبسط النعم ([7]) .
والواسع سبحانه هو الذي وسع علمه جميع المعلومات ووسعت قدرته جميع
المقدورات ووسع سمعه جميع المسموعات ووسع رزقه جميع المخلوقات ، فله
مطلق الجمال والكمال في الذات والصفات والأفعال ، وعند البخاري من
حديث عَائِشَة أنها قالتِ : ( الْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ فَأَنْزَلَ الله
تَعَالَى عَلَى النَّبِيِّ : } قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّتِي تُجَادلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلى الله وَالله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكمَا إِن الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ { [المجادلة:1] ) ([8]) ، فالله عز
وجل واسِع ، وَسِعَ غِنَاه كل فقِير وهو الكثيرُ العطاءِ يده سحاء الليل والنهار ، وسعت رَحْمَته كل شَيء وهو المحيط بكل شيء ([9]) .
وقد اقترن اسم الله الواسع باسمه العليم في غير موضع من كتابه كما ورد في
قوله تعالى : } مَثَلُ الذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ
سَنَابِلَ فِي كُل سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَالله يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاء وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ {
[البقرة:261] ، ذكر ابن القيم في بيان العلة في اقتران الاسمين ألا يستبعد العبد
مضاعفة الأجر ، ولا يضيق عنها عطاؤه فإن المضاعف واسع العطاء ، واسع
الغنى واسع الفضل ، ومع ذلك فلا يظن أن سعة عطائه تقتضي حصولها لكل
منفق ، فإنه عليم بمن تصلح له هذه المضاعفة وهو أهل لها ومن لا يستحقها ولا
هو أهل لها ، فإن كرمه وفضله تعالى لا يناقض حكمته بل يضع فضله مواضعه لسعته ورحمته ، ويمنعه من ليس من أهله بحكمته ([10]) .
No comments:
Post a Comment