Friday, May 6, 2011

أسماء الله الحسنى - الآخر

Al-a27er

 

 الآخر :

اسم الله الآخر يدل على ذات الله وصفة الآخرية والبقاء بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا : ( وَأَنْتَ الآخِرُ فَليْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ ) ([1]) ، وقد تقدمت الأدلة عند شرح الاسم على بقاء الحق بقاء ذاتيا ، وأن ما سواه باق بإبقائه إن شاء أبقاه وإن شاء أفناه ، فبقاء المخلوقات في الآخرة لا لذاتها ولكن بعطاء من الله لإكرام أهل طاعته وإنفاذ عدله في أهل معصيته ، ومن ثم فإن الله عز وجل هو الأخر الموصوف بالآخرية المطلقة ، واسم الله الآخر يدل باللزوم على ما دل عليه اسمه الأول ، والاسم أيضا من صفات الذات .

 

الآخر في اللغة اسم فاعل لمن اتصف بالآخرية ، فعله أَخَر يَأْخر أخرا ، والآخِرُ ما يقابل الأَوَّل ، ويقال أيضا لما بقي في المدة الزمنية ، ويقال للثاني من الأرقام العددية أو ما يعقب الأول في البعدية والنوعية ، ويقال أيضا لما بقي في المواضع المكانية ، ونهاية الجمل الكلامية ، فمن الآخِرُ الذي يقابل الأَوَّل قوله تعالى : } رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا  { [المائدة:114] ، ومن الآخر الذي يقال لما بقي في المدة الزمنية ، قوله تعالى : } وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ { [آل عمران:72] ، وكذلك ما رواه البخاري من حديث عبد الله بن عُمَرَ t أنه قَالَ : ( صَلَّى بِنَا النَّبِيُ S الْعِشَاءَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ ) ([2]) ، ومن الآخر الذي يقال للثاني من الأرقام العددية أو ما يعقب الأول في البعدية والنوعية قوله تعالى : } ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ { [الشعراء:66] ، ومن الآخر الذي يقال لما بقي في المواضع المكانية ما رواه البخاري من حديث ابْنَ عَبَّاسٍ t أنه قَالَ : ( صَعِدَ النَّبِي S الْمِنْبَرَ وَكَانَ آخِرَ مَجْلِسٍ جَلَسَهُ مُتَعَطِّفًا مِلحَفَةً عَلَى مَنْكِبَيْهِ ) ([3]) ، ومن الآخر الذي يقال لنهاية الجمل الكلامية قوله تعالى : } وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ { [يونس:10] .

والآخر سبحانه هو المتصف بالبقاء والآخرية فهو الآخر الذي ليس بعده شيء الباقي بعد فناء الخلق ([4]) ، وهنا سؤال يطرح نفسه عن كيفية الجمع بين وصف الله عز وجل بأنه الآخر الباقي الذي ليس بعده شيء وبقاء المخلوقات في الجنة ودوامها وأبديتِها ، كما قال تعالي عن أهل الجنة ونعيمها ودوام متعتها ولذتها للمؤمنين : } قَال اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالدِينَ فِيهَا أَبَدا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلكَ الفَوْزُ العَظِيمُ { [المائدة :119] ، وقال سبحانه عن أهل النار وعذابها ودوام الشقاء لأهلها : } وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولهُ فَإِنَّ لهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالدِينَ فِيهَا أَبَدا { [الجن :23] ؟ وما تفسير قوله : } كُلُّ مَنْ عَليْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلال والإكرام { [الرحمن:27] ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة t أن النبي كان يقول في دعائه : ( اللهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَليْسَ قَبْلكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَليْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ ) ([5]) ؟

قد يبدو في الظاهر أن بقاء أهل الجنة والنار أبدا متعارضا مع إفراد الله عز وجل بالبقاء وأنه الآخر الذي ليس بعده شيء ، لكن هذا التعارض يزول إذا علمنا أنه لا بد أن نفرق في قضية البقاء والآخرية بين ما يبقى ببقاء الله وما يبقي بإبقاء الله ، أو نفرق بين بقاء الذات والصفات الإلهية وبقاء المخلوقات التي أوجدها الله كالجنة والنار وما فيهما ، فالجنة مثلا باقية بإبقاء الله وما يتجدد فيها من نعيم متوقف في وجوده على مشيئة الله ، أما ذاته وصفاته فباقية ببقائه ، وشتان بين ما يبقي ببقاء الله وما يبقي بإبقائه ، فالجنة مخلوقة خلقها الله عز وجل وكائنة بأمره ورهن مشيئة وحكمه فمشيئة الله حاكمة علي ما يبقى وما لا يبقى .

ومن ثم فإن السلف الصالح يعتبرون خلد الجنة وأهلها إلى ما لا نهاية إنما هو بإبقاء الله وإرادته ، فالبقاء عندهم ليس من طبيعة المخلوقات ولا من خصائصها الذاتية ، بل من طبيعتها جميعا الفناء ، فالخلود ليس لذات المخلوق أو طبيعته ، وإنما هو بمدد دائم من الله تعالى وإبقاء مستمر لا ينقطع ، أما صفات الله عز وجل ومنها وجهه وعزته وعلوه ورحمته ويده وقدرته وملكه وقوته فهي صفات باقية ببقائه ملازمة لذاته حيث البقاء صفة ذاتية لله كما أن الأزلية صفة ذاتية له أيضا ، فلا بد إذا أن نفرق بين صفات الأفعال الإلهية وأبديتها ومفعولات الله الأبدية وطبيعتها ، وهذا ما جاء به القرآن حيث فرق بين نوعين من البقاء ، الأول وهو بقاء الذات بصفاتها كما في قوله تعالى : } كُلُّ مَنْ عَليْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلال والإكرام { [الرحمن:27] ، والثاني في قوله تعالى : } وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى { [الأعلى:17] ، فالآية الأولى دلت على صفة من صفات الذات وهى صفة الوجه ودلت على بقاء الصفة ببقاء الذات فأثبتت بقاء الذات بصفاتها ، وأثبتت فناء ما دونها أو إمكانية فنائه ، إذ أن الله هو الأول والآخر وهو قبل كل شيء وبعد كل شيء .

ومن معاني اسم الله الآخر أنه الذي تنتهي إليه أمور الخلائق كلها كما ورد عند البخاري من حديث البراء t أن النبي S قال : ( اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ ) ([6]) .

 

 



(1)                                تقدم في الاسم السابق .

(1)    البخاري في العلم ، باب السمر في العلم 1/55 (116) .

(2)    البخاري في الجمعة ، باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد 1/314 (885) .

(1)    انظر في المعنى اللغوي : كتاب العين 4/303 ، ولسان العرب 4/11 ، والنهاية في غريب الحديث

1/29 والمفردات ص68 ، واشتقاق أسماء الله ص204 .

(2)    مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة ، باب ما يقول ثم النوم وأخذ المضجع 4/2084 (2713) .

(1)    البخاري في الدعوات ، باب فضل من بات على الوضوء 1/97 (244) .

No comments:

Post a Comment