Wednesday, May 18, 2011

أسماء الله الحسنى - الأحد

 

 

الأحد :

اسم الله الأحد يدل على ذات الله وعلى صفة الأحدية  ، قال تعالى : } وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد ٌ{ [الإخلاص:4] ، ويدل على علو الشأن في الحياة والقيومية وسائر الصفات الإلهية بدلالة اللزوم ، ولا يلزم من أحدية الحق نفي الصفات عنه كما يتوهم البعض ، أو عدم اتصاف الخلق بما يليق بهم لأن الأحد هو المنفرد بوصفه المباين لغيره ، فكونه متوحدا في الغنى لا يلزم نفي الغنى المحدود عمن سواه ، لأن انفراده وأحديته في الغنى بناء على إطلاق الوصف في مقابل التقييد والنسبية عند غيره ، أما تفسير الأحد بأنه الذي لا ينقسم ، أو المجرد من الصفات أو هو الذي لا جزء له ولا قسيم ، ثم ترتيب نفي الصفات الإلهية الذاتية والفعلية على هذا المعنى ، فهذا اصطلاح كلامي لا يحتمله لفظ الأحد في أصل وضعه وكما جرت به عادة الخطاب بين العرب ، قال ابن تيمة : ( الاستدلال بالقرآن إنما يكون على لغة العرب التي أنزل بها ، بل قد نزل بلغة قريش كما قال تعالى : } وَمَا أَرْسَلنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ { [إبراهيم:4] ، وقال : } بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ { [الشعراء:195] ، فليس لأحد يحمل ألفاظ القرآن على غير ذلك من عرف عام واصطلاح خاص ، بل لا يحمله إلا على معاني عنوها بها ، إما من المعنى اللغوي أو أعم أو مغايرا له ، لم يكن له أن يضع القرآن على ما وضعه هو ، بل يضع القرآن على مواضعه التي بينها الله لمن خاطبه بالقرآن بلغته ، ومتى فعل غير ذلك كان ذلك تحريفا للكلام عن مواضعه ، ومن المعلوم أنه ما من طائفة إلا وقد تصطلح على ألفاظ يتخاطبون بها ، كما أن من المتكلمين من يقول الأحد هو الذي لا ينقسم ، وكل جسم منقسم ، ويقول الجسم هو مطلق المتحيز القابل للقسمة حتى يدخل في ذلك الهواء وغيره ، لكن ليس له أن يحمل كلام الله وكلام رسوله إلا على اللغة التي كان النبي S يخاطب بها أمته وهي لغة العرب ) ([1])، والاسم دل على صفة ذات .

 

الأحد في اللغة اسم فاعل أو صفة مشبهة للموصوف بالأحدية ، فعله أحَّد يأحد تأحيدا وتوحيدا ، أي حقق الوحدانية لمن وحده ، وهو اسم بني لنفى ما يذكر معه من العدد ، تقول ما جاء بي أحد ، والهمزة فيه بدل من الواو ، وأصله وحد لأنه من الوحدة ، والفرق اللغوي بين الواحد والأحد أن الأحد شيء بني لنفي ما يذكر معه من العدد ، والواحد اسم لمفتتح العدد ، وأحد يصلح في الكلام في موضع الجحود والنفي ، وواحد يصلح في موضع الإثبات ، يقال ما أتاني منهم أحد فمعناه لا واحد أتاني ولا اثنان ، وإذا قلت جاءني منهم واحد فمعناه أنه لم يأتني منهم اثنان ، فهذا حد الأحد ما لم يضف ، فإذا أضيف قرب من معنى الواحد ، وذلك أنك تقول : قال أحد الثلاثة كذا وكذا ، وأنت تريد واحدا من الثلاثة ([2]) .

والأحد سبحانه وتعالى هو المنفرد بذاته ووصفه المباين لغيره ، كما قال تعالى في معنى الأحدية : } وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد { [الإخلاص:4] ، فالأحدية هي الانفراد ونفي المثلية ، وتعني انفراده سبحانه بذاته وصفاته وأفعاله عن الأقيسة والقواعد والقوانين التي تحكم ذوات المخلوقين وصفاتهم وأفعالهم ، كما قال تعالى : } لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ { [الشورى:11] ، فبين سبحانه انفراده عن كل شيء من أوصاف المخلوقين بجميع ما ثبت له من أوصاف الكمال ، فالأحد هو المنفرد الذي لا مثيل له فنحكم على كيفية أوصافه من خلاله ، ولا يستوي مع سائر الخلق فيسري عليه قانون أو قياس أو قواعد تحكمه كما تحكمهم ، لأنه المتصف بالتوحيد المنفرد عن أحكام العبيد وقال تعالى : } هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً { [مريم:65] ، أي شبيها مناظرا يدانيه أو يساويه أو يرقى إلى سمو ذاته وصفاته وأفعاله ([3]) .

وليس الأحد هو المجرد عن الصفات أو الذي لا ينقسم كما فسره بعض المتكلمين لأن ذلك تأويل لا يحتمله اللفظ في أصل وضعه أو كما جرت به عادة الخطاب بين العرب فهو أقرب إلى التحريف من كونه تأويلا ([4]) ، لأنه لا مدح في نفي الصفات عن الله تفصيلا ، ولا مدح في النفي إن لم يتضمن كمالا ، ولذلك فإن طريقة الكتاب والسنة في إثبات الصفات هي النفي المجمل والإثبات المفصل بعكس طريقة المتأخرين من المتكلمين ، فالله عز وجل نفى عن نفسه كل صفات النقص إجمالا فقال : } ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء { [الشورى:11] ، وقال : } وَلمْ يَكُنْ لهُ كُفُوًا أَحَدٌ { [الإخلاص:4] ، وأثبت لنفسه صفات الكمال تفصيلا ، فقال : } هُوَ اللهُ الذِي لا إِلهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ  المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ  { [الحشر:22/24] ، وغير ذلك من الآيات التي عدد الله فيها أسماءه وأوصافه مثبتا لها ولكمالها ومفصلا في ذلك ، أما المتكلمون فإنهم يجملون في الإثبات ويفصلون في النفي ، حيث أثبت بعضهم أسماء الله مفرغة من الأوصاف ، وبعضهم أثبت سبع صفات فقط ونازع في بقيتها ، وأما التفصيل في النفي الذي يبررون به معنى الأحدية فكقولهم ليس بجسم ولا شبح ولا صورة ، ولا لحم ولا دم ولا عظم ، ولا بذي لون ولا طعم ولا رائحة ، ولا بذي حرارة ولا رطوبة ولا يبوسة ، ولا طول ولا عرض ولا عمق ولا شخص ولا جوهر ولا عرض ، ولا يتحرك ولا يسكن ولا ينقص ولا يزداد .. إلى غير ذلك من أنواع النفي الذي يملأ صفحات متعددة .

وهذه طريقة سقيمة في إثبات التفرد والأحدية تنافى الفطرة وتبعث على الاشمئزاز فهي تماثل قول القائل في مدح ما تميز به الأمير : لست بزبال ولا كناس ولا حمار ولا نسناس ، ولست حقيرا ولا فقيرا ولا غبيا ولا ضريرا ، وكان  يغنى عن ذلك أن يجمل في النفي ويقول : ليس لك نظير فيما رأت عيناي .

ومما ينبغي أن يعلم أن النفي الذي يثبت معنى الأحدية ليس فيه مدح ولا كمال إلا إذا تضمن وصفا وإثباتا ، فنفى السنة والنوم عن الله يتضمن الأحدية في كمال الحياة والقيومية ، ونفى الظلم يتضمن كمال العدل ، وهكذا في سائر ما نفى الله عن نفسه من أوصاف النقص ، وكل نفى لا يستلزم ثبوتا لم يصف الله به نفسه ، أما الذي يقول عن الله : ليس بجسم فهل يعنى أنه عرض ؟ ، فيقول : وليس عرضا ، فماذا يكون إذا ؟ هل يكون شبحا ؟ يقول : ولا شبحا ، فإن سئل هل هو داخل العالم ؟ فيقول : ولا داخل العالم ، فخارجه إذاً ؟ يقول : ولا خارجه ، ولا ولا ولا .. إلى غير ذلك من سفسطة القول ومهاترات النفي ، ينفي الصفات من غير إثبات ، ويظن أن ذلك معنى اسم الله الأحد ، وهذا ليس فيه صفة مدح ولا أحدية ، بل هو ذم بما يشبه المدح تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ([5]) .

 



(1)       بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية 1/493 .

(1)       لسان العرب1/227 ، النهاية في غريب الحديث 1/27 ، والمفردات ص 66 .

(2)       انظر المزيد في مختصر القواعد السلفية في الصفات الربانية للدكتور محمود عبد الرازق الرضواني ص9 .

(3)       انظر في أنواع التأويلات الباطلة مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية ص 43 وما بعدها .

(1)       زاد المسير 9/268 ، الأسماء والصفات للبيهقي ص29 ، وتفسير أسماء الله الحسنى للزجاج ص57 .

No comments:

Post a Comment